في أوج الأزمة الدبلوماسية بين باريس وواشنطن بسبب ما بات يعرف بـ«أزمة الغواصات»، التي تسببت بخسارة باريس عقداً كبيراً مع أستراليا بقيمة 40 مليار دولار، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي جو بايدن بـ«إجراءات محدّدة وليس مجرد كلمات لاستعادة الثقة»، حسبما أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان سبق أول اتصال بين الزعيمين منذ اندلاع الأزمة. في ختام اجتماع لمجلس الوزراء، أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال، أن ماكرون سيجري محادثات مع نظيره الأميركي بشأن «أزمة الغواصات» المفتوحة بين البلدين، مشيراً إلى أن الرئيسين سيجريان خلال مكالمة هاتفية «تبادل توضيحات من أجل توضيح الظروف التي تقرر بموجبها إصدار الإعلان وأيضًا لتوضيح شروط إعادة انخراط أميركا في علاقة بين حلفاء».
وأكد أتال أن ماكرون يتوقع «إجراءات محدّدة من الولايات المتحدة لا مجرد كلمات لاستعادة الثقة»، مشدّداً على أن «قلّة المشاورات بين واشنطن وباريس تظهر وجود أزمة ثقة بين الحلفاء وهذا الأمر يتطلب حلاً».وأضاف، أن «ماكرون يتوقع أن يعترف بايدن بأنه كان على واشنطن أن تتشاور مع حلفائها قبل عقد صفقة الغواصات مع أستراليا».
نفي فرنسي
في غضون ذلك، نفت فرنسا أمس، رسمياً معلومات أوردتها صحيفة «ذي تلغراف» البريطانية ومفادها بأن ماكرون مستعد للتخلي عن مقعد فرنسا الدائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لمصلحة الاتحاد الأوروبي مقابل تنفيذ اقتراحه السابق بتشكيل جيش أوروبي موحّد.وقال قصر الإليزيه، في بيان، إن المقعد الدائم لفرنسا في مجلس الأمن «لنا وسيبقى كذلك»، مضيفاً: «نحن ننسق مع الاتحاد الأوروبي طالما لزم الأمر، بسيادة كاملة».وفرنسا هي إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع الصين والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والتي تملك حق النقض (الفيتو). وأثار نشر المقال ردود فعل من جانب عدة مسؤولين سياسيين فرنسيين. وقبل بيان الإليزيه، كتب رئيس حزب «فرنسا الأبية»، جان لوك ميلانشون، مرشح اليسار الراديكالي للانتخابات الرئاسية المقررة العالم المقبل: «يجب أن يصدر ماكرون نفياً بشكل عاجل. فرنسا لن تعطي أبداً مقعدها في مجلس الأمن. من يجازف بذلك إنما يرتكب خيانة عظمى».بدورها علقت المرشحة الرئاسية لليمين المتطرف مارين لوبن زعيمة حزب «التجمّع الوطني» على «تويتر» بالقول: «إذا كانت هذه المعلومات دقيقة ستشكل خيانة حيال الأمة. وإذا لم تكن كذلك، يجب أن يقول إيمانويل ماكرون ذلك وبسرعة».فشل اجتماع
وفشل اجتماع لوزراء خارجية فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا كان من المقرر عقده على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بسبب النزاع حول التحالف الأمني الجديد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.وأكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن الجانب الفرنسي انسحب من الاجتماع الذي كان من المقرر عقده أمس. وقال إنه لم يتم إلغاؤه، بل تم تأجيله.وقال إن السبب هو «الاستياء من الجانب الفرنسي، وهو ما أستطيع فهمه، وبعض الأشياء هناك تحتاج أولاً إلى تقويم قبل أن نتمكن من الجلوس معاً بهذا الشكل».ودعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن «على فرنسا تجاوز غضبها في أزمة الغواصات».وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى صعوبات في تحديد المواعيد، حيث قالت مسؤولة رفيعة المستوى بالوزارة، إن الجداول الزمنية ديناميكية ويبقى أن نرى ما اذا كان مثل هذا الاجتماع ما زال ضرورياً هذا الأسبوع.وتوقّعت المسؤولة أن تتاح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان فرصة أخرى لتبادل وجهات النظر في وقت لاحق من هذا الأسبوع.الدنمارك تتضامن
وفي موقف يتناقض مع اجتماع بروكسل أمس الأول، حيث أعرب الأوروبيون عن تضامنهم مع باريس، أعلنت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن، أمس، ان بلادها، إحدى أقرب حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، «لا تفهم على الإطلاق» الانتقادات الفرنسية والأوروبية الموجهة لواشنطن في «أزمة الغواصات»، مدافعة عن الرئيس الأميركي «المخلص جدا» جو بايدن.وقالت المسؤولة الاشتراكية الديمقراطية: «أعتقد أنه من المهم أن أقول فيما يتعلق بالمناقشات الجارية في أوروبا في الوقت الحالي، إنني أرى بايدن مخلصاً جداً للتحالف عبر الأطلسي».أما بشأن انتقادات باريس وبروكسل التي وجهت لواشنطن، فقالت فريدريكسن: «لا أستطيع فهمها. لا أفهمها إطلاقاً». وأوضحت لفريدريكسن:»لا شك أن بايدن يبعد السياسة الخارجية الأميركية عن اتجاه انعزالي ليتولى مجدداً دور الدولة الرائدة في العالم، التي وحدها الولايات المتحدة قادرة على الاضطلاع به».وتابعت «اذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك لا يمكن لأحد أن يحل مكانها».ونشبت الأزمة بين باريس وواشنطن في 15 سبتمبر إثر إعلان بايدن ولادة تحالف دفاعي جديد بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، موسّعاً نطاق تقنيّة الغوّاصات الأميركيّة العاملة بالدفع النووي لتشمل أستراليا، إضافة الى تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحريّة تحت الماء. وكانت من أولى ثمار هذا التحالف إطاحة صفقة ضخمة أبرمتها كانبيرا مع باريس بقيمة 40 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية الصنع واستبدالها بأخرى أميركية تعمل بالدفع النووي.وردّاً على الاتفاق وصفت فرنسا هذا القرار بأنه «خيانة» و«طعنة في الظهر» واستدعت، في إجراء غير مسبوق، سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا.