مأساة العراق

لم يعان شعب من الشعوب مثلما عانى الشعب العراقي، فلو تجاوزنا القرون الأربعة التي استعبد فيها العثمانيون العراق بكل قسوة وجبروت من 1534 إلى 1914، وتأملنا حال العراق منذ استقلاله عام 1921 حتى الزمن الراهن، لم نر سوى المؤامرات والدسائس والانقلابات المتعاقبة، التي هي تركة الأفعى العثمانية التي سممته وتركته لقمة سائغة للإنكليز دهاة الاستعمار، الذين كبلوا حرية العراق وانتقصوا سيادته بمعاهدتي 1922 و1930م، وأجهزوا على استقلاله بالاحتلال العسكري الذي بدأ عام 1917، وفرض على الشعب المقهور النظام الملكي- بنكهة إنكليزية- من 1921 إلى 1958 حتى انتقم الجيش بثورة الضباط الأحرار 1958م من العائلة الملكية، فأعدموا فيصلاً وبقية أفراد العائلة رمياً بالرصاص، وسحلوا جثة الوصي خاله عارياً بالشوارع، وبدلوا النظام الملكي بالنظام الجمهوري بقيادة عبدالكريم قاسم الاشتراكي الشيوعي، في حين يطمع القوميون الناصريون والبعث بحصتهم من وليمة السلطة، ولتمتد بعدها سلسلة الخيانات الحزبية.

فالشيوعيون استفردوا بالسلطة عام 1958 لينقلب عليهم حزب البعث عام 1963 ثم يعود العقيد عبدالسلام عارف في العام نفسه ويصفي البعث، ليعود البعث بمحاولة أخرى ويسترجع السلطة عام 1968م، وتهيج معها حفلات التعذيب ويحول البعث قصر الرحاب إلى قصر النهاية الرهيب. ‎افتقد العراق في تلك المرحلة المظلمة أي مفكر أو منظر أو فيلسوف سياسي، لم يكن آنذاك سوى حفنة ضباط أغرار يحلمون بجيش قومي يندفع لتحرير بيت المقدس في فلسطين، في حين الشعب المغلوب على أمره يدفع من كرامته ثمن العداوات الحزبية بالتعذيب السادي في السجون الغاصة بهم.

‎كوابيس العراقيين في اليقظة والمنام، والسلطة جلاد، والجلاد مؤسسة استقرت سياسياً، وتنمرت شعبياً باسم حزب البعث، تهتك الأمن وتبدد الاستقرار، ففي العراق، لم تتوقف صناعة التوابيت، وجنائز الأحرار قطار لا محطة لوصوله، يمر عبر كل الولايات العراقية، والأنكى أن الشعب بعين السلطة خائن ومتآمر لا العكس.

‎تاريخ العراق دموي بامتياز، وحبره ما زال يكتب بالدم، فمتى ينفد الحبر؟

حبيب السنافي