ألكسندر لوكاشينكو... مصدر خطر متزايد على أوكرانيا!
أعلن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تخطيطه لنشر أنظمة الدفاع الروسية الجوية "S-400" على طول الحدود الأوكرانية، مما أدى إلى تأجيج المخاوف من استعداده لأداء دور متوسّع في حرب روسيا الهجينة المستمرة ضد أوكرانيا.وتكلم لوكاشينكو في 12 سبتمبر خلال تدريبات عسكرية مشتركة بين روسيا وبيلاروسيا، فقال إن أنظمة "S-400" هي جزء من حزمة أسلحة مرتقبة بقيمة مليار دولار تم الاتفاق عليها خلال أحدث قمة عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد التقى الزعيمان في 9 سبتمبر في موسكو لإجراء محادثات حول تعميق التكامل بين روسيا وبيلاروسيا، ويقال إن نصف المفاوضات التي امتدت على ثماني ساعات تقريباً ركّزت على مسائل الأمن والدفاع.يبدو أن جزءاً كبيراً من تلك النقاشات الأمنية ركزت على أوكرانيا تحديداً، فقال لوكاشينكو يوم الأحد قبل الماضي: "يجب أن نستعد، يبلغ طول حدودنا مع أوكرانيا 1200 كلم. لقد ناقشنا [مع بوتين] احتمال أن نستعمل أنظمة S-400".
يسهل أن يعتبر الكثيرون في كييف عسكرة الحدود بين بيلاروسيا وأوكرانيا خطوة خطيرة، إذا تسود هناك أصلاً مخاوف كبرى من توسيع الوجود العسكري الروسي في بيلاروسيا وزيادة اتكال لوكاشينكو العلني على الكرملين، ومع حلول السنة الثامنة على بدء الحرب غير المعلنة بين روسيا وأوكرانيا وتراجع المؤشرات التي تنذر بحصول تقدّم حقيقي لإقرار تسوية سلام مستدامة، من الطبيعي أن يقلق المخططون العسكريون الأوكرانيون من احتمال فتح جبهة جديدة في شمال أوكرانيا.شاركت روسيا وبيلاروسيا في عدد قياسي من التدريبات المشتركة حتى الآن خلال عام 2021، فترسّخ بذلك الوجود العسكري الروسي الدائم في البلد، وفي الوقت نفسه، نشأت قاعدة جديدة للتدريبات المشتركة حديثاً في غرب بيلاروسيا، مما يعني توسيع البصمة الروسية هناك، كذلك، يبدو أن لوكاشينكو ينوي التخلي عن اعتراضاته الأولية على نشوء قاعدة جوية روسية في بيلاروسيا.تزامناً مع التوسع العسكري الروسي في بيلاروسيا، يعمد الكرملين أيضاً إلى تعزيز سيطرته على اقتصاد بيلاروسيا وسياستها الخارجية، ومن المتوقع أن يزيد التقارب بين البلدين نتيجة خريطة طريق تتألف من 28 نقطة، كانت قد تحددت معالمها في قبل أيام في موسكو، لكن ستتراجع في المقابل قدرة مينسك على تطبيق أي سياسات بمعزل عن روسيا، حيث يظن عدد كبير من المحللين اليوم أن بوتين يقترب من الاستيلاء الضمني على بيلاروسيا من دون إطلاق رصاصة واحدة.يُعتبر استعداد لوكاشينكو الواضح للتضحية بسيادة بيلاروسيا مقابل صموده السياسي ظاهرة مستجدة ودليلاً على عزلته الدولية المتزايدة في آخر 13 شهراً، وقبل أغسطس 2020، خصص البيلاروسي معظم فترات عهده القائم منذ 26 سنة لوضع روسيا في مواجهة مع الغرب وضمان التوازن الدبلوماسي الذي منحه درجة من الاحترام ولو على مضض.حين بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا في عام 2014، بذل لوكاشينكو في البداية جهوداً كبرى لإثبات موقفه الحيادي، فرفض الاعتراف بأحقية مطالبة روسيا بشبه جزيرة القرم وأعلن أنه لن يسمح بإطلاق أي اعتداءات ضد أوكرانيا من بيلاروسيا، حتى أنه سخر من المزاعم التاريخية التي طرحها الكرملين لتبرير غزو أوكرانيا، وقال إن منغوليا تستطيع أن تطالب بمساحات واسعة من روسيا بالسهولة نفسها. أعطى ذلك الموقف ثماره، فترسخت مكانة لوكاشينكو على الساحة الدولية ونجح في استضافة محادثات سلام دولية في مينسك لإخماد الصراع، كذلك، استفادت بيلاروسيا من الصراع بطرقٍ أخرى، فأصبحت مينسك مركزاً للحركة الجوية بين أوكرانيا وروسيا غداة منع جميع الرحلات المباشرة بين البلدين المتناحرَين في عام 2015.لكن هذا التوازن الأساسي الذي أقامه لوكاشينكو في البداية بحلول أغسطس 2020 انهار، فأصبح منبوذاً على الساحة الدولية بعد ردّه الوحشي على الاحتجاجات الوطنية التي اندلعت اعتراضاً على الانتخابات الرئاسية المزورة، وبعد توسّع التظاهرات المعادية للنظام في أنحاء بيلاروسيا غداة الانتخابات الشائبة في 9 أغسطس، بدا وكأن لوكاشينكو يوشك على خسارة سلطته، لكن بوتين تدخّل في الوقت المناسب لدعمه، فقدّم له مساعدات مالية، وأرسل طائرات مليئة بخبراء في الحملات الدعائية من الكرملين، ووعده علناً بإرسال قوات الأمن الروسية إذا "خرج الوضع عن السيطرة".بدءاً من هذه المرحلة، زاد اتكال لوكاشينكو على الكرملين تدريجاً في حين راح يكثّف حملته القمعية المطولة ضد المعارضة المحلية ويشارك في مواجهة تزداد عدائية مع الغرب، حيث تتعدد الأحداث البارزة في هذا المجال، منها إجبار طائرة أوروبية تجارية على الهبوط في مايو 2021 أثناء مرورها في أجواء بيلاروسيا ثم خطف صحافي بيلاروسي معارض من بين الركاب.أخذ لوكاشينكو مجازفات إضافية في الأشهر الأخيرة، فهو متّهم اليوم بافتعال أزمة حدودية في الاتحاد الأوروبي عبر جلب المهاجرين إلى بيلاروسيا من أنحاء الشرق الأوسط ونقلهم إلى حدود البلد مع بولندا ولاتفيا وليتوانيا في جواره، وقد اضطر لوكاشينكو للانحياز إلى الجانب الروسي بسبب تراجع مكانته المحلية، في حين اصطفت أوكرانيا مع معارضيه الغربيين، وحين أصبحت أوكرانيا أمام خيارَي البراغماتية في السياسة الخارجية والتمسك بقيمها، اختارت الخيار الثاني، وخلال السنة الماضية رفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الصوت وكثّف انتقاداته لحملة لوكاشينكو القمعية محلياً، في حين انضمّت كييف إلى الغرب وفرضت قيوداً على حركة الطيران بعد حادثة القرصنة الجوية في مايو 2021.ردّ لوكاشينكو عبر اتهام أوكرانيا بالتورط في جميع أنواع المؤامرات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة استقرار بيلاروسيا، وصبّ الزعيم البيلاروسي معظم غضبه على الدول المجاورة لبلده في حلف الناتو، لكنه ضمّ أوكرانيا إلى لائحة الدول التي يُفترض أنها تخطط لإسقاطه أيضاً.كانت هذه الادعاءات محددة ومتفجرة أحياناً، ففي أغسطس 2021، اضطر الرئيس زيلينسكي لإنكار اتهامات لوكاشينكو المغلوطة مباشرةً حين تعلّقت التهمة بتلقي المسلحين تدريبات في أوكرانيا قبل إرسالهم إلى بيلاروسيا لتأجيج الاضطرابات هناك، فبالنسبة إلى الرأي العام الأوكراني، لا تُعتبر هذه المزاعم المريعة مضحكة بأي شكل لأنهم يتذكرون حتماً حملة التضليل التي أطلقها الكرملين لتبرير الاستيلاء على شبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في شرق أوكرانيا في عام 2014.يُعتبر تصريح لوكاشينكو الأخير حول نشر أنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات على الحدود الأوكرانية أحدث مؤشر على تدهور العلاقات بين البلدين، فهو يثبت أيضاً أن بيلاروسيا بدأت تتحول سريعاً إلى جبهة جديدة في حملة بوتين المستمرة لإضعاف الدولة الأوكرانية وإجبار البلد على الانضمام إلى نطاق النفوذ الروسي.يجب أن تطلق السلطات الأوكرانية محاولات عاجلة الآن لدق ناقوس الخطر حول تدهور الوضع الأمني على الحدود الشمالية للبلاد، إذ لم يدرك المجتمع الدولي بعد كامل تداعيات سيطرة بوتين على بيلاروسيا، علماً أن هذه العملية بقيت في معظمها خارج الرادار الجيوسياسي ووصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة. يجب أن يتغير هذا الوضع سريعاً، ومن المتوقع أن يترافق توسّع الوجود العسكري الروسي في بيلاروسيا مع تداعيات أمنية هائلة في أنحاء المنطقة، لكن تبقى أوكرانيا الأكثر عرضة للمخاطر المباشرة.لا يستطيع العالم الديمقراطي أن يتحمّل كلفة أي مفاجآت جديدة من هذا النوع، لذا يجب أن يحاول قادة الغرب إقرار مجموعة من التدابير الاستباقية في أسرع وقت ممكن لتقوية قدرات أوكرانيا العسكرية، تزامناً مع منع بوتين ولوكاشينكو من القيام بأي رهانات خطيرة.