الأثر الفعلي لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لباريس كان سياسياً ومعنوياً، أما ملف المساعدات المالية والاقتصادية للبنان، الذي يعاني انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، فأحيل إلى ما ستنجزه الحكومة من إصلاحات أساسية أصبحت مطلباً للمجتمع الدولي.ووفق مصادر دبلوماسية، ركز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال «اللقاء الإيجابي»، بالدرجة الأولى على ضرورة إطلاق الحكومة ورشة الإصلاح، بدءاً من ملفي الكهرباء والتدقيق الجنائي، كما شدد على ضرورة حصول مراقبة دولية لصرف المساعدات للبنان في المرحلة المقبلة.
وما تحقق يكفي على ما يبدو لأن يراكم ميقاتي عليه، للقيام بجولة على بعض الدول، لاسيما العربية والخليجية، وتشير المصادر إلى أنه طلب موعداً لزيارة السعودية، لكن الموعد لم يحدد بعد، وكذلك مصر والكويت وقطر.يكرر ميقاتي في أوساطه أنه يسعى لإعادة تجديد العلاقات اللبنانية ــ العربية وتعزيزها، لكنه يقول أيضاً إنه يعلم أن المساعدات لن تأتي على بياض، ولن يكون هناك هبات، بل مشاريع استثمارية ستتحدد بموجب السلوك الذي تعتمده حكومته، والذي سيظهر على الأرجح في الجلسات الأولى التي ستناقش ملفات أساسية. وبهذا الشأن، تعتبر المصادر أن الامتحان الأساسي هو خطة الكهرباء وتوحيد الأرقام، التي سيذهب لبنان بموجبها إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن هذه كلها إجراءات تقنية مرتبطة بملفات سياسية أوسع، أبرزها ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل. وقد طالب رئيس الجمهورية ميشال عون المجتمع الدولي بمساعدة لبنان، لإحياء المفاوضات، التي جرت سابقاً برعاية أميركية وأممية، ولعدم السماح لإسرائيل بالاعتداء على المصالح اللبنانية.وفي واقع الأمر، أصبح لبنان في مأزق، فإسرائيل باشرت التنقيب وأصبحت على مشارف استخراج الغاز، بينما تأخرت السلطة اللبنانية كثيراً في الدفاع عن حقوقها. ويشدد الوفد العسكري اللبناني المفاوض على ضرورة إقرار مرسوم جديد يعدّل المرسوم القديم، الذي أودعته حكومة ميقاتي عام 2011 لدى الأمم المتحدة، وينص على أن حقوق لبنان في البحر هي 860 كلم مربع، مطالباً بتوسيع المساحة إلى 2290 كلم. وهذه مشكلة ستنفجر حتماً بوجه ميقاتي، الذي تقول مصادر متابعة إن لديه التزامات للأميركيين والفرنسيين لا يمكنه الخروج عنها، كما لا يمكنه الانقلاب على نفسه.وهناك أيضاً موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان يريد قبل أشهر توقيع المرسوم، لكنه تراجع بضغط أميركي بهدف الحفاظ على قواعد التفاوض، وفق اتفاق الإطار الذي تم وضعه بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وواشنطن. ولا يريد عون توقيع المرسوم، كي لا يستفز الأميركيين، في حين يتهمه خصومه بأنه يريد استخدامه ورقة للتفاوض مع واشنطن على رفع العقوبات عن صهره، رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وهو سيعمل على إلقاء هذا الملف بكامله على الحكومة، في حين سيلجأ ميقاتي إلى تشكيل لجنة جديدة لإعادة دراسته، في محاولة لتنجنب انفجاره بوجهه، مما يعني تأجيل بتّه.وتؤكد مصادر الوفد العسكري أن التأخير لن يخدم لبنان، وسيؤدي إلى ضرر لا يمكن التراجع عنه، في حين تعتبر شخصيات سياسية لبنانية أن الملف أصبح مرتبطاً بشكل مباشر بالمفاوضات الإيرانية ـــ الأميركية، لافتة إلى أنه قد يتحول إلى «مزارع شبعا بحرية»، أي ورقة إيرانية للتفاوض مع الغرب. ومن هنا، ينتظر الجميع زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي للبنان، الشهر المقبل، والتي قد تثير خلالها هذا الملف.
أخبار الأولى
لبنان: «الترسيم» قد يتحول إلى «مزارع شبعا بحرية»
26-09-2021