أبا أمل: لا تزال نافذة روحك مشرعة
لم تمر الذكرى العاشرة لوفاته في شيء من اللا مبالاة بل احتفى بها كثيرون ممن تلامست حيواتهم مع دروبه الكثيرة والطويلة والمتعرجة، هو من أكثر من يستحقون لقب مناضل ليس بالمفهوم الذي تم تسطيحه في زمن الألقاب هذا، بل يحمل مفهوم من دفع الثمن غاليا من حياته وراحته واستقراره واستقرار أسرته وحتى صحته، فسلسلة تضحياته تطول. هو البحريني الذي ترك رفاهية مقاعد الجامعة الأميركية في بيروت في ستينيات القرن الماضي ليرحل إلى جبال ظفار في عمان وليكون من القيادات الأولى لتلك الثورة التي ظلمت في نشأتها ونهاياتها وحتى في ذكراها، هو من حمل الحلم بين أضلعه لواقع خليجي وعربي مختلف فيه كثير من الكرامة والعزة لأبنائه وبناته، هو حلم ربما بعالم مثالي لشاب في عمره قرأ كثيرا عن ثورات امتدت من أميركا اللاتينية إلى إفريقا وآسيا، هو من استوعب ذاك التراث الثوري وحاول أن يمزجه بتربة جبال ظفار الخصبة، هو من تعلم أن المبدأ لا يجزأ ولا يباع أو يشترى، هو عبدالرحمن النعيمي أو سعيد سيف فله نصيب من كثير من الأسماء، منها حركية عندما كان القيادي لأكثر من جبهة وحركة، وهو في نهاية اليوم "أبو أمل" البحريني المغروس في تربة أرضه وثقافة أهله لم تفارقه مع كثرة اطلاعه وتأثره بتجارب متنوعة ولشعوب مختلفة. هو من ارتحل من مدينة إلى أخرى بعد أن تكالبوا على حلمه وأطفأوا شعلة الثورة، وهي في توهجها ومحاولتها كسر حصار الجهل والفقر والتهميش، حمل حقيبته وارتحل هو وأسرته الصغيرة التي كابدت عناء وصعوبات النضال بعيداً عن كل أنواع الرفاهية المتوافرة لمن هم مثله، بل أبسط متطلبات العيش الكريم.
لا مبالغة في الحديث عن شخص يمثل في يومياته مفهوم البساطة في إنسان والتواضع في رجل حمل السلاح ليس ليقتل بل لينشر العلم والمعرفة وليحارب الظلم في كل مكان حتى لو كان على حساب راحته هو، قد يكون في بعض بعضه يمثل من قال عنهم شمس التبريزي: "اقترب ممن يفتحون في روحك نوافذ من نور، ويقولون لك إنه في وسعك أن تضيء العالم". أو هو كما قال أمل دنقل: "ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة... ليمر النور للأجيال مرة".نوافذ نوره لا توصد في وجه أحد بل هي مشرعة مثلها مثل باب بيته الذي لم يوصد أبدا في وجه أي طارق سواء كان ذاك البيت شقة متواضعة في حي من أحياء دمشق أو بيروت أو بيت في المحرق، عندما تقترب منه لا تستطيع إلا أن تتعلم أن تشعل النور قبل أن تكثر من حديث الظلمات والظلم الذي لا يستهويه أبدا. يقول لمحدثيه: لماذا لا تنشرون بعضاً من نور، بعضاً من علم، بعضاً من معرفة وكثيراً من الحب. أبو أمل يعرف كيف يحب حتى من اختلف معهم ويتقن الابتسامة في لحظة التصادم وتقبل الفكرة التي تبدو ساذجة بل ربما سخيفة في احتدام النقاش العميق. هو ليس سوبر إنسان هو فقط وببساطة شديدة كما يجب أن يكون الإنسان. قد تكون هذه المحبة والتقدير له من الكثيرين الذين عرفوه من أول جيرانه في بلده حتى رفاق وأصدقاء ومعارف من مسقط حتى الرباط، كثيرون تذكروه هذا الشهر في لقاءات أسبوعية نظمتها تلال نيوز عربية تحت عنوان "النعيمي في عشرية الغياب". بعضهم تحدث عن لقاءات هنا ومؤتمرات هناك وآخرون عن حياة المنفى وتعب الأيام والسنين، وبعضهم تحدث عن النعيمي الإنسان ذاك القادم من خيمة القبيلة إلى فضاءات الثقافات المتنوعة حتى تلك البعيدة جداً عن عالمه الصغير الأول. ترافقه الكتب دوما وينصح بها جالسيه على مقاهي الأرصفة العربية، فهو من قال إن نور الكلمة أكثر قوة من عتمة السجن فيما اختلفت السجون عنده، فقد تكون هي عقول أو مواقف متحجرة أو زنازنين في قلعة أو جزيرة نائية أو نرجسية "لثورجية" أو حاملي لقب المثقف!أبو أمل عشر سنوات مضت وما زال بعض نورك هنا.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.