تناولت في مقال أمس كيف وقع الاقتراح بزيادة الرسوم المفروضة على كبار السن، عند تجديد إقامتهم، في حومة مخالفة أحكام الدستور، بإهدار الحقوق المكتسبة لهذه الفئة في تغطيتها بنظام التأمين الصحي في شيخوختها، الذي ساهمت في تمويله في صباها، بالمخالفة لمفهوم التكامل الاجتماعي الذي يقوم عليه هذا التأمين، وبالمخالفة لأحكام المادتين 18 و19 من الدستور، وهو المأزق الدستوري الأول لهذا الاقتراح، كما أخل هذا الاقتراح بمبدأ المساواة بين المقيمين المنصوص عليه في المادتين 7 و29 من الدستور، وهو المأزق الدستوري الثاني، وكيف أخل هذا الاقتراح بالوجهة الإسلامية التي يجب أن يلتزمها المشرع فيما يسنه من تشريعات باعتبار أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، أيا كانت أداته قانوناً أو قراراً صادراً في حدود القانون من سلطة أدنى في مدارج التشريع، وهو المأزق الدستوري لهذا الاقتراح.
المأزق الدستوري الرابعفقدان زيادة الرسوم على كبار السن للعدالة الاجتماعية، بالمخالفة للمادتين 24 و48 من الدستور، فيما نصت عليه أولاهما بأن العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة، وفيما نصت عليه ثانيتهما، وفيما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (48) من أنه "ينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب والتكاليف العامة، بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة".ذلك أن الاقتراح بزيادة رسوم التأمين الصحي أو رسوم تجديد الإقامة، على كبار السن، الذين لا يحملون مؤهلا عالياً، وقد أنصف أصحابه الحقيقة من أنفسهم، بإهدارهم العدالة الاجتماعية التي هي الأساس الدستوري في فرض التكاليف العامة وفقاً للمادة (24) بقصر فرض هذه الرسوم على ذوي الدخل المحدود من كبار السن، الذين لا يحملون مؤهلا علمياً أو يحملون مؤهلا متوسطا، بدلا من تقديم اقترح بإعفائهم من تكاليف رسوم الإقامة أو رسوم التأمين الصحي، فالأغلب الأعم من هؤلاء من الحرفيين وعمال البناء الذين ليس لديهم دخل ثابت، أو من الذين يعملون في المطاعم أو غيرها من المحلات برواتب قليلة، لا تكفيهم لوازم الحد الأدنى للمعيشة إلا بالكاد، وقد تسببت جائحة كورونا في خفض رواتبهم، فكان الأولى بالمشرع أن يستخدم الرخصة التي منحتها له الفقرة الثانية من المادة (48) بإعفائهم من بعض التكاليف العامة المفروضة عليهم ولو لفترة مؤقتة حتى تعود الحياة الطبيعية للبلاد، وينتعش اقتصادها، بعد زوال هذا الوباء.المأزق الدستوري الخامستخلي الدولة عن التزامها المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور فيما نصت عليه من صون دعامات المجتمع الثلاث المنصوص عليها في المادة (7) من الدستور، وهي العدل والحرية والمساواة، وقد قضت المحكمة الدستورية في الكويت أن مبدأ المساواة لدى القانون يعد ركيزة أساسية للحقوق والحريات ودعامة من دعامات المجتمع وميزانا للعدل والإنصاف، وقيدا في ذات الوقت على المشرع لا يتعداه، فيما يسنّه من الأحكام وأن غاية هذا المبدأ صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز وأشكاله. (جلسة 23/ 9/ 2007- ق17 لسنة 2006).وقد تعدى الاقتراح بزيادة بزيادة الرسوم على كبار السن عند تجديد إقامتهم القيد الذي قيد به الدستور المشرع، فيما يسنه من تشريعات، وهو صون دعامات المجتمع، التي منها العدل والمساواة.المأزق الدستوري السادسالخروج على الأهداف المشروعة للتشريع والتي حددتها دساتير الدول المتقدمة ومنها دستور الكويت، ومنها اعتبار أن عدم تحقيق هذه الأغراض إخلال بالمساواة، وأن يكون التشريع منصفا، ولا يكون كذلك إلا إذا كان كافلا لأهداف العدالة، التي يجب أن يتم تحديدها دوما من منظور اجتماعي، سواء فيما هو حق أو واجب.وقد استقر القضاء الدستوري في مصر على وجوب الالتزام بالأهداف المشروعة للتنظيم التشريعي ومن أحكامه في هذا السياق، بأن اتفاق التنظيم التشريعي مع الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعا محددا عن أهدافها، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريا. (المحكمة الدستورية العليا - مصر جلسة 6/ 1/ 1996 ق5 لسنة 8 ق).وهو المبدأ الذي قرره القضاء الدستوري فيما قضى به من "أن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقص منه هو ذلك التنظيم الذي ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، وأنه إذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها كان التمييز بين هذه المراكز القانونية للمواطنين انقلابا لا تبصر فيه. (المحكمة الدستورية في مصر القضية رقم 47 لسنة 17 قضية دستورية جلسة 4/ 1/ 1997).وبأن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه أو تتخلف عن أهدافها، فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنظم بعض فئات المواطنين، وتساوى في التالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنظمهم. (جلسة 6/ 5/ 2000 ق193 لسنة 19 قضائية دستورية).وترتيبا على ما تقدم من أحكام، فإن إقرار الاقتراح سالف الذكر، يعتبر خروجا على الأهداف المشروعة، بالإخلال بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً.المأزق الدستوري السابعتصادم تقرير أعباء مالية إضافية على كبار السن بسبب كبرهم مع قضايا حقوق الإنسان، التي أصبحت قضية المجتمع الدولي الأولى بمنظماته العالمية والإقليمية، والتي تتصدر هذه القضايا حقوق الطفل وحقوق المسنين بما يوقع تقرير هذه الأعباء الإضافية على المسنين في مأزق دستوري وهو مخالفة المادة 12 من صون التراث الإسلامي والعربي، والإسهام في ركب الحضارة الإنسانية وقت أصبحت حقوق الإنسان هي سمة من سمات هذه الحضارة.وقد احتلت دولة الكويت مكانتها الدولية في هذا الركب المادي الكبير الذي تقدمه للدول الفقيرة في مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك الذي تقدمه منظمات المجتمع المدني فيها، وعلى رأسها جمعية العون المباشر، حتى لقبت بإمارة الإنسانية.وأسجل في نهاية هذا المقال، بالشكر والتقدير لغرفة تجارة وصناعة الكويت، موقفها النبيل، في رفض هذا الاقتراح لآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، بما يؤكد أن الغرفة تواصل مسيرتها الطيبة منذ نشأتها قبل صدور الدستور، في خدمة المصالح العليا للبلاد، في عهد رئيسها الحالي، الرمز الوطني الكبير محمد جاسم الصقر.وأختم هذا المقال، بقول المولى عز وجل "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ".
مقالات
في ظلال الدستور: المأزق الدستوري في زيادة الرسوم على المقيمين كبار السن (2-2)
27-09-2021