أدلى الألمان، أمس، بأصواتهم في انتخابات شهدت منافسة حامية بين الاشتراكيين ـــ الديموقراطيين والمحافظين على تولي السلطة خلفاً للمستشارة أنجيلا ميركل، التي قرّرت الخروج من الحياة السياسية؛ بعدما حكمت البلاد مدى 16 عاماً.

وشارك في هذه الانتخابات 47 حزباً أهمها "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" ونظيره "المسيحي الديموقراطي" إضافة إلى الأحزاب الأربعة الأخرى الممثلة في البرلمان (بوندستاغ) وهي "الليبرالي" و"الخضر" و"البديل من لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف و"اليسار"، علماً أن أي حزب يريد الجلوس في البرلمان عليه ان يحصل على 5 في المئة من الأصوات على الأقل.

Ad

ودعي الناخبون البالغ عددهم نحو 60.4 مليوناً للإدلاء بأصواتهم لانتخاب نوابهم.

لاشيت

وفي آخن، اقترع أرمين لاشيت، زعيم "الحزب المسيحي الديموقراطي" الذي تنتمي إليه ميركل والذي يشكل "الاتحاد المسيحي" مع "الحزب المسيحي الاجتماعي" بولاية بافاريا.

وقال لدى إدلائه بصوته برفقة زوجته، "كل صوت مهم لأنه يسهم في تحديد توجّه ألمانيا للسنوات المقبلة".

وأعرب عن أمله في أن يستغل الجميع حقهم في التصويت، "كي يتسنى للديموقراطيين تشكيل حكومة جديدة في النهاية".

شولتز

واقترع منافسه وزير المال الحالي أولاف شولتز في بوتسدام القريبة من برلين، وهو اعتبر أن الأحوال الجوية الجيدة "مؤشر جيد" لوسط اليسار الذي يحقق منذ الصيف صعوداً غير متوقع.

باربوك

بدورها، أعربت مرشحة "الخضر" أنالنا باربوك، عن أملها في حصول حزبها على نتيجة أفضل مما كان يحصل عليها في استطلاعات الرأي.

وقالت لدى الإدلاء بصوتها في مركز اقتراع بمدينة بوتسدام: "لكل صوت أهمية في هذه الانتخابات".

شتاينماير

واقترع رئيس الدولة فرانك فالتر شتاينماير صباحاً في مركز اقتراع في برلين.

وقال الرئيس الاشتراكي الديموقراطي "من يصوّت يحيي الديموقراطية"، داعياً الناخبين إلى الاقتراع.

ومن الصعب التكّهن بالنتائج نظراً إلى إقدام قسم كبير من الناخبين وبينهم ميركل نفسها على التصويت بالبريد.

اسم المستشار المقبل وتشكيلة أغلبيته المحتملة لن يُعرفا قبل ساعات اليوم الأولى.

وفي مطلق الأحوال، سيترتب إجراء مفاوضات مطولة خلال الأشهر المقبلة لتشكيل الائتلاف الذي سيحكم البلاد، ولو أن ذلك يهدّد بشل الاتحاد الأوروبي حتى الفصل الأول من عام 2022.

وأعلن مجلس الحكماء للبرلمان الألماني، أمس، أنه من المتوقع أن يجتمع البرلمان الجديد للمرة الأولى يوم 26 أكتوبر المقبل.

وأوضحت إدارة المجلس أنه سيتم بصفة خاصة اختيار رئيس البرلمان ونوابه في هذه الجلسة التأسيسية.

وقد تضطر ميركل (67 عاماً)، إلى البقاء في منصبها حتى نهاية العام لتصريف الأعمال.

وبعدما نأت المستشارة المنتهية ولايتها بنفسها عن السجالات الانتخابية، بذلت جهوداً مكثفة في الشوط الأخير من الحملة لدعم أرمين لاشيت الذي تواجه حملته صعوبات منذ الصيف.

لكن هل أن انخراط المستشارة التي تبقى في أوج شعبيتها سيكون كافياً لقطع الطريق على "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"؟ يبقى السؤال مطروحاً من دون إجابة محسومة.

فبعدما راوح "الاشتراكي الديموقراطي" فترة طويلة في المرتبة الثالثة، حقّق صعوداً لم يكن متوقعاً منذ منتصف أغسطس.

أما "المسيحيون الديموقراطيون"، فقد يتراجعوا لأول مرة منذ 1949 إلى ما دون عتبة 30 في المئة من الأصوات، بعدما تصدروا استطلاعات الرأي لفترة طويلة.

إذ عانى المحافظون من أخطاء زعيمهم الذي لا يتمتع بأي شعبية، فضلاً عن تراجع صورة الحزب مع بقائه طويلاً في السلطة.

وإن كان رئيس "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" ورئيس حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا، أكبر الولايات الألمانية تعداداً، معروفا بأنه ينجح دائماً في قلب الأمور لمصلحته وفي التخلص من ألد أعدائه، لكن الأمر يبدو صعباً هذه المرة على لاشيت، الذي فرض ترشيحه في ختام صراع شديد مع حليفه زعيم "حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي" ماركوس سودر، الأكثر شعبية منه.

غير أن المحافظين قد ينجحوا في تعبئة الناخبين المترددين بتلويحهم بقيام ائتلاف يساري.

أما "الخضر"، فمن المتوقع أن يحلّوا في المرتبة الثالثة مع حصولهم على 17 في المئة من نوايا الأصوات، ما سيشكل نتيجة تاريخية لدعاة حماية البيئة الذين لم يسبق أن تخطوا عتبة 10 في المئة سوى عام 2009، لكن طعمها سيكون مريراً بعدما تصدروا استطلاعات الرأي في أبريل وسط المخاوف حيال التغير المناخي.

وارتكبت بيربوك (40 عاماً) سلسلة من الأخطاء قبل الصيف، فاضطرت إلى الدفاع عن نفسها بمواجهة اتهامات بانتحال مقاطع من كتابها وتقاضي علاوات لم تصرح بها.

ويطمح "الخضر" إلى المشاركة في الحكومة، وتحديداً مع الاشتراكيين الديموقراطيين إذا أمكن.

غير أنه قد يترتب لأول مرة منذ خمسينيات القرن الماضي ضمّ حزب ثالث إلى الائتلاف.

ويظهر ليبراليو "الحزب الديموقراطي الحر" منذ الآن في موقع "صانعي الملوك".

أما حزب "دي لينكه" اليساري الراديكالي، فيبدي استعداداً للمشاركة، لكنه سيتحتم عليه قبل ذلك التخلي عن انتقاداته للحلف الأطلسي.

وتشير التوقعات إلى أن حزب "البديل لألمانيا" الذي دخل لأول مرة إلى مجلس النواب قبل 4 سنوات، سيرسخ حضوره في البرلمان بحصوله على نحو 10 في المئة من الأصوات، لكنه يبقى مستبعداً من أي ائتلاف محتمل.

أسئلة عدّة

وترك استحقاق الأمس، أسئلة عدّة بينها: هل تصبح ألمانيا ما بعد ميركل بلداً أقل استقراراً؟ وفي أي وجهة ستذهب سياستها؟ هل ينجح اليسار في الوصول إلى المستشارية على حساب المحافظين؟ وهل سيشارك البيئيون والليبراليون في الحكومة المقبلة؟

تلك هي الرهانات الرئيسية في انتخابات، الامس، فيما بقيت التكهنات سارية بشأن نتائجها حتى اللحظات الأخيرة من اغلاق مقار الاقتراع.

وهذه الانتخابات سترسم صورة ألمانيا ما بعد ميركل.

ففي عهد هذه الأخيرة، كانت ألمانيا من أبعد دول أوروبا عن أي غموض حيال المستقبل. هذا الأمر يمكن أن يتغيّر بعد الانتخابات التي تُنذر بتجزئة الأصوات وبحكومة تضمّ 3 أحزاب، غير مستقرة بطبيعتها، لقيادة البلاد.

وفي ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة، قد يسجّل المعسكر المحافظ الذي تنتمي إليه المستشارة، أسوأ نتيجة انتخابية له منذ تأسيس ألمانيا المعاصرة عام 1949، مع نحو 23 في المئة من الأصوات مقابل 32.8 في المئة عام 2017.

بالتالي قد يخسر المحافظون منصب المستشار حتى أنهم قد ينتقلوا إلى المعارضة للمرة الأولى منذ 2005.

ويسجل الاشتراكيون الديموقراطيون تقدماً طفيفاً على الديموقراطيين المسيحيين، في استطلاعات الرأي الأخيرة ويتطلعون إلى قيادة الحكومة، للمرة الأولى منذ غيرهارد شرودر، فيما كانوا في وضع صعب جداً منذ عام.

وقد يجد البيئيون بحصولهم على نحو 16 في المئة من نوايا التصويت وكذلك حزب الليبراليين اليميني مع نحو 11 في المئة من الأصوات، نفسيهما في موقع "صناع القرار" في حكومة ائتلافية مقبلة.

ويخشى شركاء ألمانيا فترة جمود طويلة، في وقت تتخوف أوروبا من تهميش جيوسياسي.

وسيحمل الشكل النهائي للحكومة تأثيراً كبيراً على السياسة الدولية المقبلة لألمانيا، حتى لو أن الأحزاب الثلاثة الكبيرة قادت حملة وسطية.

ستكون البلاد أكثر ميلاً إلى التضامن المالي في أوروبا مع حكومة يسيطر عليها الاشتراكيون الديموقراطيون و"الخضر" مما ستكون كذلك مع المحافظين والليبراليين، الذين يؤيدون أكثر من اليسار المهمات العسكرية في الخارج.

وقد تشهد ألمانيا فترة توتر مع حلف شمال الأطلسي في حال تشكلت حكومة تضمّ حزب "دي لينكه" اليساري الراديكالي الذي يروّج لحلّ الحلف.