هل انتهت أميركا كقوة عظمى؟
كلما زاد القلق من المستقبل زاد ظهور الأحلاف والتحالفات، وأغلبها وقتية آنية، لن تنجح في ملء الفراغ الذي يمرّ به العالم، سواء أكان حقيقياً أو متخيلاً. موضوع الجدل حول انتهاء قوة أميركا ليس جديداً، فمنذ فترة طويلة، تتضخم الكتابات والندوات من مفكرين وكتّاب، من جميع الاتجاهات، يميناً ويساراً، وإن كان لأسباب مختلفة، وأغلبهم أميركان، عن تراجُع قوة أميركا وانهيارها، وانحسار قوتها، لدرجة أن "تراجع أميركا" يكاد يصبح نظرية، في إطار انقسام داخلي حاد يجعل من رؤية الآخر ضبابية. عندما "انسحبت" أميركا من أفغانستان بما يشبه الفرار، بعد أطول حرب لها، كان من السهل استحضار ذلك التراث المكتوب والمسموع والمرئي، عن نظرية التراجع الأميركي.
أما بالنسبة إلى الدول التي تعتمد على الحماية الأميركية، ومنها دول الخليج وغيرها، فذلك يتجاوز الفرضيات والأفكار، ليصل إلى الخشية الوجودية، في منطقة يعدّ معدل الحروب الكبيرة فيها الأعلى في العالم. ماذا سيحدث مثلاً لو قررت أميركا فجأة سحب قواتها من الخليج، دون التشاور مع دوله، كما حدث مع أفغانستان؟ سؤال يستحق الإجابة، لأنه قد يحدث يوماً ما، لأسباب قد لا تخطر على بال أحد. بالطبع أفغانستان مختلفة تماماً، لكن أليست كل قضية مختلفة في العالم؟ كان ذلك السؤال مستغرباً حين قررت بريطانيا العظمى الانسحاب من الخليج. كل السيناريوهات مفتوحة، في حقبة التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر للوقود، ووصول أميركا قبل سنوات إلى حالة تشبُّع من النفط لتصبح دولة مصدّرة له. وبغضّ النظر إن كانت قوة أميركا قد تراجعت، وهي مسألة خاضعة للأخذ والردّ، فأميركا ليست كالامبراطوريات أو القوى الاستعمارية التي لحقتها، والتي أسهب فيها بول كينيدي في كتابه السّفر، "صعود وسقوط القوى الكبرى". عانى العالم خلال الـ 120 سنة الماضية حروباً عديدة، اثنتان منها عالميتان، ومئات الحروب الأخرى، صغيرة أو كبيرة، وأغلبها كانت بالوكالة، وبالذات خلال الحرب الباردة، أو القطبية الثنائية، ونظرية الردع، وسباق التسلح النووي، لمنع الخروج عن المألوف، وكانت أزمة الصواريخ الكوبية، نموذجاً لما عُرف حينها بـ the edge أو "الحافة"، بمعنى أن حرباً نووية كانت على وشك النشوب، إلا أن الحقيقة هي أنه لم تكن هناك حافة هاوية، بل كانت ترتيبات سياسية بين القطبين الكبيرين، بين كينيدي وخروتشوف، انتهت إلى تفاهمات لم تعُد سريّة.ويبدو أن العالم مُقدم على حالة ارتباك صعبة... وللحديث بقية.