لا بدّ من نهاية سعيدة لحيواتنا بكل جوانبها، لا يُعدّ هذا خلق أمل للناس، وإن كان الأمل ضرورة، بل هي صنع وهْمٍ وكذب، حين يصبح وعينا بالحياة خيالات ليس لها مكان، الأفلام العربية تصبح في كثير من الأحيان وسيلة لفرض هذا الخيال الكاذب، فيغذّي هذا الأفيون نهج وسيرة الأفراد بدولنا، وتصبح حياتهم عبطاً كامل الدسم لا مكان فيه للنقد الجدلي ونقض واقع تراثنا المحنط.خذوا مثالاً، فيلم "رسالة من امرأة مجهولة" للمخرج صلاح أبوسيف، الذي قد يكون أفضل المخرجين العرب في زمنه، لكن ماذا فعل بالقصة القصيرة للمبدع ستيفان زيفايغ؟... الرسالة المجهولة من لبنى عبدالعزيز لفريد الأطرش تصبح رسالة غير مجهولة لصاحبتها، فالبطل (بالفيلم موسيقي مشهور) يعرف صاحبة الرسالة بعد قراءة رسالتها، ويهرول بعدما أخبرته "لبنى" أن ثمرة حبهما الطفل في المستشفى يعاني نقص الدم جراء حادث مروري، فيهرول فريد للمستشفى كي يتبرّع بدمه، بعد أن يفاجئ البطلة والدكتور بأنه والد الطفل ودمه مطابق لدم ابنه، وتنتهي الحكاية بالنهاية السعيدة بتصحيح إثم الخطيئة والزواج والأسرة الكاملة!
الحقيقة بالقصة وحبكتها أن المرأة المجهولة تبقى مجهولة عند البطل (الكاتب المرموق وصاحب المغامرات النسائية) الذي لا يتذكّرها، وطفلهما لم يعد طفلاً بل أصبح شاباً ومات في حادث، وأضحت أمه بائعة هوى، ومغزى الرسالة لـ "زيفايغ" كما أفهمها هي انتقام من صاحبة الرسالة للبطل اللعوب، الذي التقته وعاشرته عدة مرات، ومع ذلك فهو لا يتذكرها، فيصحو على وخز الضمير بعد قراءة الرسالة، ويشعر بالحب لهذا الحب المنسي تماماً وحفيف شبح الموت يقترب منه.المخرج العربي "عاوز كده"، المخرج يساير الأوهام ويغذيها بالمزيد من خرافة النهايات السعيدة التي يضجّ بها اللاوعي العربي، المخرج هو السلطة الحاكمة التي تساير خرافات الجمهور، وتنفخ على نارها حتى يستمر أثر هذا الأفيون باقياً في وجدانهم مع ديمومة السلطة المتكسبة من وعي الأكثرية المزيف.ماذا بقي بعد، غير انتظار النهاية الأبدية بجنة البيت العربي السعيد، بينما الحقيقة هو بيت خرب بفقره وبؤس أهله؟
أخر كلام
رسالة من امرأة مجهولة
28-09-2021