الذكرى الأولى لوفاة أمير الإنسانية

الراحل الشيخ صباح الأحمد باق في قلوب الكويتيين

نشر في 28-09-2021 | 10:32
آخر تحديث 28-09-2021 | 10:32
الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد باق في قلوب الكويتيين
الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد باق في قلوب الكويتيين
مع حلول الذكرى الأولى لوفاة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه التي تصادف غداً الأربعاء تستذكر الكويت بقلوب يعتصرها الأسى ويغمرها الحزن أمير العطاء والوفاء الذي عاشت في كنف قيادته 14 عاماً خلد فيها اسمها في المحافل الإقليمية والعربية والعالمية.

ففي التاسع والعشرين من سبتمبر عام 2020 نكست الكويت أعلامها واتشحت بالسواد بيوتها وعمت الأحزان مناطقها بعد إعلان وفاة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عن عمر ناهز 91 عاماً عرفه الكويتيون خلالها أباً وأخاً وقائداً أسهم في دفع عجلة التنمية فيها وتحقيق نهضتها وتعزيز استقرارها.

وبرحيل الشيخ صباح الأحمد فقدت الكويت أحد كبار قادتها وصانعي أمجادها كما فقد الوطن العربي قائداً حكيماً لطالما كان حريصاً على توحيد كلمته وتمتين صفوفه ووأد الخلاف بين دوله فيما فقد العالم أميراً للإنسانية وقائداً للسلام بين مجتمعاته.

الأمير القائد

ومنذ أن تولى دفة الحكم في البلاد يوم 29 يناير 2006 حرص الشيخ صباح الأحمد على السير على النهج الحكيم الذي سار عليه أسلافه الحكام الكرام طوال العقود الماضية في أداء دور فاعل في مسيرة الأمن والاستقرار في المنطقة ودرء الخلافات بين دولها وتحقيق السلام في مجتمعاتها.

وعلى الصعيد الداخلي، قاد الأمير الراحل البلاد نحو التطور والتنمية والازدهار في مرحلة صعبة شهدت فيها المنطقة تحديات كبيرة واهتم ببناء الإنسان باعتباره أثمن الموارد التي يملكها الوطن وعماد نهضته وتطوره ورخائه.

وحظي الأمير الراحل حين تولى دفة الحكم باعتباره الحاكم الخامس عشر لدولة الكويت بتأييد شعبي ورسمي كبير وتمت مبايعته بالإجماع من أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية في ذلك اليوم الميمون من يناير ليصبح أول أمير منذ عام 1965 يؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة.

ولطالما عرف الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بانتهاج سياسة حكيمة حافظ من خلالها على مكانة متميزة للكويت في محطيها الخليجي والعربي والدولي وشهد العالم بأسره نجاحاته الدبلوماسية في نصرة القضايا العادلة للشعوب وحماية البلاد من أي تأثير يهدد كيانها والوصول بها إلى بر الأمان في محيط مضطرب بالتهديدات.

وإذا كانت البلاد قد عاشت تحت قيادته خلال الأعوام الأربعة عشر الماضية فقد سبقتها عقود من العمل الرسمي تبوأ خلالها عدداً من المناصب أسهم من خلالها في تعزيز مسيرة بناء الوطن وتوطيد أركانه وترسيخ مكانته.

ونال أمير البلاد الراحل خلال مسيرته العشرات من الأوسمة والقلادات والأوشحة كان آخرها حصوله في 18 سبتمبر عام 2020 على «وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى» من الولايات المتحدة الذي يعد أعلى وسام عسكري يمنح عن جدارة لقائد غير أمريكي تقديرا لجهوده السامية وإنجازاته المتميزة.

والشيخ صباح الاحمد رحمه الله هو الابن الرابع للامير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي توسم في نجله الفطنة والذكاء منذ صغر سنه فأدخله «المدرسة المباركية» ثم أوفده إلى بعض الدول للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات التي ساعدته على ممارسة العمل في المناصب الرسمية.

مسيرة حافلة

وبدأت مسيرة العطاء لأمير البلاد الراحل في عام 1954 حينما عين عضواً في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها آنذاك مهمة تنظيم مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية.

وفي عام 1955 تولى الشيخ صباح الأحمد منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل فنظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل لاسيما في ضوء تدفق العمال من دول عربية وأجنبية إلى الكويت واستحدث مراكز التدريب الفني والمهني للشباب ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وشجع الجمعيات النسائية والأندية الرياضية.

وأولى فقيد الكويت اهتماماً بالفنون فأنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956 وفي عام 1957 أضيفت إلى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر فأصدر الجريدة الرسمية للكويت «الكويت اليوم» وأنشأ مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات وأشرف على إصدار مجلة «العربي».

وأبدى الأمير الراحل اهتماماً كبيراً بإحياء التراث العربي وإعادة نشر الكتب والمخطوطات القديمة فشكل لجنة خاصة لمشروع «كتابة تاريخ الكويت» وأسهم في إصدار قانون المطبوعات والنشر الذي كان له دور مميز في تحقيق الصحافة الكويتية مكانة مرموقة بين مثيلاتها العربية.

وبعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عين عضواً في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد ثم عين في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيراً للإرشاد والأنباء.

وفي 28 يناير 1963 وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة عين فقيد الكويت وزيراً للخارجية لتبدأ مسيرته مع العمل السياسي الخارجي والدبلوماسية التي برع فيها فاستحق لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم بعد أن قضى 40 عاماً على رأس تلك الوزارة رباناً لسفينتها في أصعب الظروف والمواقف السياسية التي شهدتها البلاد.

ويستذكر الكويتيون بكل فخر الدور الكبير للشيخ صباح الأحمد عندما كان وزيراً للخارجية حين رفع علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضواً فيها في 11 مايو 1963.

ولطالما أعربت الدول العربية عن تقديرها لجهود الشيخ صباح في جمع الأشقاء وسعيه الدؤوب لحل الخلافات عندما شارك في وضع حد للحرب الأهلية باليمن في أغسطس 1966 وأسهم في توقيع اتفاق سلام بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي في أكتوبر 1972 إضافة إلى نجاحه عام 1984 بإنهاء الحرب الإعلامية وإقامة علاقات دبلوماسية بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية.

نهج

واختط الأمير الراحل منذ نحو خمسة عقود منهجاً واضحاً للسياسة الخارجية للكويت فجنب البلاد أخطاراً كبيرة في مراحل حرجة في تاريخها من خلال انتهاج مبدأ التوازن في التعامل مع القضايا السياسية ومن أبرزها الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988 وما نتج عنها من تداعيات أثرت على أمن الكويت واستقرارها داخلياً وخارجياً.

وبذل الشيخ صباح طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهداً كبيراً في تعزيز وتطوير علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم لاسيما الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع الأمم المتحدة ومنظماتها المتنوعة.

وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقراراً في سياستها الخارجية وثباتاً اتضحت ثماره في الثاني من أغسطس عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصراً للحق الكويتي في وجه الغزو العراقي الغاشم وأثمر ذلك صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.

ولعل احتضان دولة الكويت اليوم لعشرات الممثليات الدبلوماسية على أراضيها من سفارات وقنصليات ومراكز لمنظمات دولية وإقليمية لهو دليل ناصع على نجاح سياسة فقيد الكويت الدبلوماسية وحسن قيادته للسياسة الخارجية الكويتية.

ونظراً إلى القدرات القيادية التي تمتع بها الشيخ صباح رحمه الله فقد أسندت إليه مناصب عدة إضافة إلى منصب وزير الخارجية فعين وزيراً للإعلام بالوكالة ما بين 2 فبراير 1971 و3 فبراير 1975 وفي 16 فبراير 1978 عين نائباً لرئيس مجلس الوزراء وفي 4 مارس 1981 تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة إضافة إلى وزارة الخارجية حتى 9 فبراير 1982.

وفي 3 مارس 1985 عين نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للخارجية حتى 18 أكتوبر 1992 عندما تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.

وفي 13 يوليو 2003 صدر مرسوم أميري بتعيين فقيد الكويت رئيساً لمجلس الوزراء وهي المرة الأولى في تاريخ الكويت التي يتم فيها الفصل بين منصبي ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء.

رؤية استشرافية للتنمية

ولم يقتصر نجاح الأمير الراحل عند السياسة الخارجية فقط وإنما استمر هذا العطاء والنجاح عند توليه قيادة دفة السياسة الداخلية للبلاد فقد حرص خلال توليه منصب رئاسة الوزراء على تبني رؤية استشرافية للتنمية في الكويت تشمل مختلف قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاع الاقتصادي.

ولتعزيز تلك الرؤية وتنفيذها قام الشيخ صباح الأحمد رحمه الله بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب الذين وضعهم في مقدمة اهتماماته من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة سعياً إلى تحقيق الهدف الأمثل الذي سعى إليه وهو تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري إقليمي لتستعيد الكويت دورها التاريخي «لؤلؤة الخليج».

واستمر فقيد الكويت في مسيرة العطاء رئيساً لمجلس الوزراء حتى يناير عام 2006 عندما اجتمع ذلك المجلس واتخذ قراراً بالاجماع بتزكيته أميراً للبلاد وفقاً لقانون توارث الإمارة.

وشهدت الكويت خلال حكم الشيخ صباح رحمه الله نهضة تنموية شاملة مرتكزة على مجموعة من المشاريع الضخمة من أبرزها مدينة «صباح الأحمد البحرية» التي تعد أول مدينة ينفذها القطاع الخاص ما يدل على حرصه على إعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في المساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.

وأطلقت الكويت في عهده عدداً من المشاريع الضخمة التي ترتبط بمختلف القطاعات الخدمية في البلاد مثل مشروع «مستشفى جابر» و«ميناء مبارك» و«جسر جابر» و«مشروع مصفاة الزور» و«مبنى المطار الجديد» و«استاد جابر الرياضي» إضافة إلى تنفيذ المدن الاسكانية الجديدة ومن أبرزها «مدينة المطلاع السكنية».

وحرص فقيد الكويت على تعزيز الوحدة الوطنية وتماسك أبناء الكويت وتكاتفهم ورص صفوفهم في ضوء الأخطار والتقلبات التي كانت تعصف بالمنطقة من حين إلى آخر.

وعلى الصعيد الخارجي تبوأت الكويت مكانة مرموقة بين دول العالم استحقت عليه اختيارها من قبل الأمم المتحدة «مركزاً للعمل الإنساني» وأطلق على فقيد الكويت حينها لقب «قائد للعمل الإنساني» لاسيما بعد أن استضافت الكويت المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية لثلاث دورات متتالية وقدمت تبرعات سخية لإغاثة اللاجئين السوريين.

ولم تنس الكويت القضية الفلسطينية التي اعتبرتها قضيتها العربية الأولى منذ بدايتها وحتى اليوم فاستمر الدعم الكويتي للفلسطينيين وازدادت وتيرته في عهد الأمير الراحل.

وإذا رحل الشيخ صباح الإحمد رحمه الله بجسده فستظل إنجازاته البارزة مدونة في سجل تاريخ الكويت وعطاءاته خالدة في مسيرتها الحديثة وإسهاماته ومبادراته منارة للأجيال تقتدي بها لتسهم بدورها في بناء الوطن وازدهاره.

back to top