قراءة في حركات الكويت الإسلامية (5)
قد يتساءل بعض النقاد والمحللين السياسيين عن الثمن السياسي والفكري الذي لم يجد الإخوان مفراً من تقديمه للحفاظ على مكاسب التيار ونفوذه وتوسعه، واستمرار تبادل المنافع الذي استمر ولا يزال، فهناك فجوة واسعة فكرية وسياسية واستراتيجية بين «دولة الكويت» و«دولة الإخوان المسلمين» نجح الإخوان في الإيهام بعدم وجودها.
ما سر نجاح الإخوان المسلمين في تأسيس جماعة مؤثرة مستمرة ذات تأثير في الكويت؟ وهل كان هذا النجاح بسبب الالتزام الحرفي بطرق ومناهج وشعارات الإخوان المعروفة في الدول الأخرى، أم بسبب مراعاة الخصائص المحلية، وتفهم الواقع السياسي والاجتماعي للشأن الداخلي؟يكمن بعض السر، في تحليل د. علي الزميع، وهو يدرس انطلاق الجماعة، في أن "جمعية الإرشاد الإسلامي"، التي تأسست عام 1951 لتمثل إخوان الكويت.. احتفظت برؤية مستقلة بها، ورغم اقتباسها لتجارب الإخوان في دول عربية أخرى، ومنها إخوان مصر والعراق على وجه الخصوص، فإنها لم تتبنَّ كل سياساتها.ومع اتصال إخوان الكويت بهيئات إسلامية حركية، كجماعة "الإخوان المسلمين" و"الشباب المسلمين" المصريتين، وكذلك جماعة الأخوة الإسلامية "في العراق، وجمعية "العلماء في الجزائر" وحركات أخرى في العالم الإسلامي، فإن إخوان الكويت ومؤسسي الجمعية حرصوا ونجحوا في الإبقاء، يقول الباحث، على "الصفة المستقلة المميزة لجمعية الإرشاد" وتحقيق ذلك عبر المحافظة على بقاء استقلالية الجمعية، كمؤسسة إسلامية كويتية بملامحها المميزة لها، وإن بقيت رغم ذلك مدرسة ذات فكر إخواني خالص". (ص92)، بمعنى أن الجمعية لم تخضع لأي سياسة إخوانية تملى على الجمعية من خارج الكويت وخارج تجربتها ومصالحها.
وقد تحقق ذلك، يضيف الباحث، بحرص أعضاء الجمعية، بمن فيهم "الشيخ يوسف القناعي" و"عبدالعزيز المطوع"، "على تقوية أواصر علاقتهم بالنظام- أي الحكومة الكويتية- وكسب ثقته".وقد رأى أعضاء الجمعية، يقول د. الزميع، "أن النظام السياسي الكويتي الممثل بأسرة الصباح الحاكمة في الكثير من المرونة التي منحتهم الحرية والمجال للنشاط الإسلامي، ورأوا أنه في حالة زوال النظام الحالي، فإن أي وضع جديد سيكون حتماً أسوأ من سابقه نظراً للأوضاع السياسية الدولية المحيطة، وقد شاركهم هذا الرأي والموقف السياسي الإخوان المسلمون والحركة الإسلامية الذين اعتقدوا أن الطبيعة الخاصة للكويت يجب دائماً أن تكون في الحسبان". (ص92)كما لاحظ أعضاء الجمعية، يضيف الباحث، "أن الكويت باعتبارها دولة صغيرة لها شخصية فريدة، فقد تم تكوينها وإنشاؤها وولادتها في ظروف خاصة، جعلتها تفتقد مؤهلات مهمة وضرورية لاستقرارها، وهذا جعل موقعها وموقفها ضعيفا ولا تستطيع أن تتحمل أية صدمات سياسية عنيفة يمكن أن تحطمها، وهكذا أصبح الأعضاء يعتقدون أن الحل يتمثل في عملية إصلاحية جزئية ومتدرجة طالما بقي النظام السياسي متصفا بالمرونة، ونتيجة لذلك فقد توطدت علاقة ثقة واحترام متبادل بين جمعية الإرشاد والنظام السياسي، تأكد ذلك خصوصاً بعد بروز المد القومي الناصري في مصر وطغيان شعبية الرئيس جمال عبدالعناصر التي هددت الأنظمة المحافظة، وحاولت حث الشعوب على معارضتها، ولهذا رأت السلطات في الإرشاد وكل ما تمثله عنصر توازن سياسي داخلي لا سيما أن الجمعية كانت حركة ليس لها اتصالات وعلاقات مع أي نظام خارجي". (92-93).بمعنى أن حفظ استقلالية جماعة الإرشاد والإخوان، كان بالفعل استثماراً سياسياً ناضجاً، جعلت الإخوان في الكويت شركاء في المردود السياسي وكسب ود النخبة الحاكمة، وكذلك في منأى عن التخبط السياسي وذلك بتجنب الإخوان في الكويت مثلا دور المعارضة السياسية العلنية الحادة، والحرص على الاستفادة القصوى من الفرص التي أتاحتها مسيرة الوضع السياسي وتأسيس الدولة والحكومة الكويتية الحديثة، ما بين 1950 و1970. وربما كان الجانب الأهم من هذا التفهم الاستراتيجي لوضع الكويت الحرج في تلك المرحلة المبكرة نابعاً عن كون بعض مؤسسي جمعية الإرشاد في الواقع، من النخبة الاجتماعية والتجارية الرفيعة القريبة من النخبة الحاكمة، وغير المعارضة بطبيعتها، ولست واثقاً من أن مؤسسي الجمعية والجماعة كانوا يومذاك بمثل هذا النضج السياسي الذي يبينه د. الزميع، فهذا التشخيص والتفهم للوضع الكويتي الاستراتيجي، "الذي لا يتحمل أي صدمة"، لم ينضج إلا لاحقاً، إذ كانت الرؤية الدقيقة لمصالح "الوطن الكويتي"، آنذاك 1950- 1967 ممتزجة على الأرجح بأبعاد قومية ودينية على ضوء شعارات الإخوان ورؤاهم المعروفة بصدد الحدود والأوطان وجنسية المسلم وغير ذلك.وربما كانت بداية شعور الكويت بافتقاد الأمن الجغرافي والأمان السياسي، رغم اتفاقية الحماية مع بريطانيا 1899، تعود الى صدمة "مؤتمر العقير" عام 1922، عندما فوجئت بتقلص مساحتها، وشعرت البلاد أن ثمة مخاطر إقليمية لا يمكن الاعتماد حتى على الإنكليز في تجنبها!وهو شعور بغموض المستقبل كالذي نشعر به اليوم مع احتمال انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة أو "تخفيف وجودها" فيها! فتحسس المخاطر الإقليمية قد تضاعف بعد الاستقلال عام 1961 مع أزمة تهديدات الرئيس قاسم، ثم مع قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة الخليجية في السنوات اللاحقة، ولكن ظروف الصراع الدولي وتوازنات الحرب الباردة... أنقذت الموقف بعد انسحاب بريطانيا.وقد يتساءل بعض النقاد والمحللين السياسيين عن الثمن السياسي والفكري الذي لم يجد الإخوان مفراً من تقديمه للحفاظ على مكاسب التيار ونفوذه وتوسعه، واستمرار تبادل المنافع وغير ذلك... الذي استمر ولا يزال، فهناك فجوة واسعة فكرية وسياسية واستراتيجية بين "دولة الكويت" و"دولة الإخوان المسلمين"... نجح الإخوان في الإيهام بعدم وجودها بل استفادوا من مخاوف الدولة والمسؤولين السياسية والأمنية.واتبع "الإخوان" في الكويت منذ البدء ولا يزالون سياسة مزدوجة، فمن جانب ظلوا علنياً ورسمياً وبحكم القوانين خاضعين لحكومة كويتية يرفضون معظم توجهاتها الحداثية والكثير من أهدافها، وكذلك فلسفتها الدستورية "شبه العلمانية" في بعض موادها، مع السعي لتغييرها من الداخل، ومن جانب آخر، عملوا على تغذية أعضاء الجماعة ومن يلتحق بها، بفكر وعقيدة "الإخوان المسلمين" التي هي بمثابة "نظام داخل النظام"، كما هي الحال في كل الدول العربية والإسلامية.كيف كانت بدايات التحرك؟ وهل كانت بهذا الاعتدال؟ سنرى ذلك!
خليل علي حيدر
«الإخوان» في الكويت يتبعون سياسة مزدوجة فهم خاضعون لحكومة كويتية بحكم القوانين لكنهم يرفضون معظم توجهاتها الحداثية والكثير من أهدافها