بينما تستعد هيئة أسواق المال لترقية بورصة الكويت إلى مستوى الأسواق الناشئة المتقدمة يبدو العديد من الأدوات الاستثمارية المتطورة، التي أقرتها الهيئة وأصدرت اللوائح التنفيذية بشأنها، مهجورة كلياً أو نسبياً، في صورة سلبية لواقع السوق المالي.فبورصة الكويت، التي تحولت إلى شركة عام 2016، لم يكن الغرض من خصخصتها مجرد نقل الملكية من القطاع العام إلى الخاص فقط، بل إحداث فارق في أداء السوق وقيمته وأدواته، فضلاً عن دوره كقناة تمويلية واستثمارية للمتداولين الأفراد والشركات والمؤسسات على حد سواء، كي يمكن تقديم نموذج ناجح للخصخصة في بلد يفتقر إلى نماذج نجاح من هذا النوع، الأمر الذي يستوجب نجاح الأدوات الاستثمارية المتاحة للمرخصين والمحترفين أو مراجعتها، تمهيداً لمعالجة بعض الثغرات والعيوب التي منعت تحقيق هذه الأدوات لأغراضها الاستثمارية أو التمويلية.
أدوات مهملة
فخلال السنوات القليلة الماضية، أقرت هيئة أسواق المال، بالتعاون مع شركتي بورصة الكويت والكويتية للمقاصة، عدداً من الأدوات المهمة، التي تعلي من قيمة البورصة مهنيا وتدعم عوامل ترقيتها، لكن إقبال الشركات عليها وتحديدا الاستثمارية كان معدوماً كخدمة إقراض واقتراض الأسهم "البيع على المكشوف"، التي تتيح للمساهمين ميزة تحقيق المكاسب في فترات تراجع الأسهم والمؤشرات، فضلاً عن الحصول على عوائد أو فوائد عن إقراض الأسهم، إلى جانب خدمة المارجن التي تعتبر الفكرة الأساسية لما يعرف سابقا بسوق "الأجل والبيوع"، بكل ما توفره هذه الخدمة من سيولة إضافية للتعاملات في البورصة تصل إلى 3 أو 4 أضعاف محفظة العميل النقدية، وهذا المارجن بالتحديد تأخر تطبيقه لخلاف حول تعريف هذه الأداة، إن كانت استثمارية أو تمويلية!فضلاً عن خيار إصدار الأسهم الممتازة على رؤوس أموال الشركات المدرجة كخيار تمويلي، ولتنويع مصادر الدين من خلال مساهمين يتمتعون بميزة الحصول على عوائد أعلى من بقية المساهمين، نظير إقراضهم للشركة او البنك، وكذلك خدمة صفقات المبادلة التي تتيح مبادلة ورقة مالية مدرجة بأخرى مدرجة تتم بين طرفين بشكل مباشر، وكذلك خيار عرض الشراء لنسبة لا تقل عن 5 ولا تزيد على 30 في المئة كإحدى الأدوات التي تقلل من مخاطر التداول الوهمي أو التجميع المبالغ فيه في السوق.إقبال ضعيف
أما الأدوات أو القنوات الاستثمارية، التي طرحت قبل سنوات في البورصة وكان الإقبال عليها ضعيفا، فأبرزها كان الصناديق العقارية المتداولة المدرة للدخل (REITs)، إذ تم تأسيس صندوق واحد فقط وإدراجه في البورصة، مع أن هذه النوعية من الصناديق تتيح لمستثمرها الحصول على حصة من الدخل الناتج عن ملكية العقار، من دون الحاجة إلى بيع أصول، بالاضافة الى خدمة صافي قيمة التداولات NETTING التي لم تفعلها أغلبية شركات الاستثمار الكبيرة، مع أنها تتيح عمليات شراء بما يصل الى 100 في المئة من الأسهم في المحفظة، دون شرط توفير "كاش" جديد، فضلا عن ضآلة تطبيق خيار التوزيعات الربعية أو نصف السنوية على المساهمين بكل ما فيهما من توفير العوائد والسيولة في السوق، إذ لم تطبقهما إلا شركتان مدرجتان فقط في البورصة.صانع السوق
وحتى خدمة صانع السوق، التي تعد الأكثر إقبالا من المرخصين، لم تستقطب أكثر من 5 مشغلين من أصل 61 شركة تقليدية وإسلامية مرخصة من هيئة أسواق المال (مدرجة وغير مدرجة) يحق لها تقديم خدمة صانع السوق، ولـ 19 سهماً من أصل 165 سهماً مدرجة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تطوير هذه الأداة وزيادة الشفافية فيها، لمعرفة حركة صانع السوق، والشفافية المطلوبة هنا تنسحب على إفصاحات ملكيات الأجانب في أسهم البنوك التي تنشر أسبوعياً، لتكون على كل أسهم السوق الاول وبشكل يومي، تمهيدا لبلوغ مستوى الإفصاح اليومي الشامل لملكيات الأجانب في جميع الأسهم المدرجة.مسؤولية ومبادرة
لا شك في أن معضلة عدم استغلال الأدوات والخيارات الاستثمارية بالشكل الأمثل تقع على عاتق مختلف مكونات السوق، بما فيها هيئة أسواق المال، لكن المسؤولية المباشرة تقع أكثر على شركة بورصة الكويت، التي تطرح الأدوات والخدمات، وشركات الاستثمار واتحادها باعتبارها المشغلة لها، مما يحملها مسؤولية تقديم صورة القطاع الخاص المبادر، خصوصا ان العديد من الادوات سالفة الذكر غير موجودة في العديد من الاسواق الاقليمية الاخرى... وحتى الدور الحكومي المطلوب في تطوير البورصة لا يقتصر أبدا على ضخ الأموال، بل ايضا من خلال تقديم المبادرات التي تخلت عنها شركات الاستثمار، كأن تتولى الهيئة العامة للاستثمار أو ادواتها الاستثمارية تقديم خدمات المارجن مثلا، كأول مشغل للخدمة.تسويق وجذب
ما تحتاج إليه البورصة في المرحلة القادمة يتطلب العمل على تسويق الأدوات والخيارات الاستثمارية، ومعالجة أي ثغرات تعيق تقديمها للمرخصين، والعمل على تعظيم وزن البورصة في المؤشرات العالمية، وخصوصاً من جهة إدراج شركات ذات قيمة، كما وعدت في أكثر من مرة بشأن جذب الشركات العائلية الكبرى والنفطية والعمل، الى جانب طرح منتجات جديدة وتسويقها كصناديق المؤشرات (etf) أو الاوبشن وغيرهما، بغية جعل الادوات المتاحة والجديدة اساسية في التعاملات اليومية، بما يدعم تحويل السوق من الطبيعة الفردية الى المؤسسية.