أخيراً عادت تونس إلى الحضن العربي الدافئ، عادت إلى بيت شقيقاتها العربيات في الحكم الأوتوقراطي، أي حكم القلة الاستبدادية، ما لم نفهم أن النظام هناك كان بحدود اختصاصات الرئيس، وأن الحالة الاستثنائية للدولة - حسب الدستور كما يريده النظام عندهم- تبرر إجراءاته الأخيرة بتحديد اختصاصات البرلمان، فهناك فساد وتجاوزات من الأغلبية البرلمانية... إلخ وإلخ.

عادت تونس إلى مكانها العروبي الشرق أوسطي الصحيح، وانتهت الآمال العريضة التي حملها الربيع العربي عام 2011 بالديموقراطية والحرية، مثلما كتب ديفيد غاردنر مقاله يائساً من حالنا في الفايننشال تايمز، بالأمس، وكأن بوعزيزي لم يحرق نفسه ولم تشعل تونس شرارة الربيع العربي.

Ad

أيّا كان عليه الأمر، فرغم ادعاءات الدول الأوروبية عن ضرورة الديموقراطية لبلادنا، تبقى قياداتها تفضل استبدادياً تعرفه، لا صديقاً إسلامياً ديموقراطياً "أيضاً" تعرفه أكثر!

فهذا الإسلامي الإخواني إذا فتح له باب الانتخابات فسيفوز حتماً في معظم دولنا العربية، وعندها وتحت ذريعة حكم إرادة الشعب سيتم تهميش واستبعاد كل الآخرين المختلفين معه، وسيثير المواجع للعلاقات مع دول الغرب تحت شعار مثاليات صعبة عن فلسطين وتحرير الأرض، وغيرها من أمور تهدد الجار الشمالي الأوروبي (شمال البحر المتوسط)، والمثاليون الحالمون هم في آخر الأمر يقودون دولهم إلى البطش والاستبداد، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، رغم أن حزب النهضة الإسلامي بتونس أبدى سابقاً مرونة كبيرة في تشكيل الحكومات وتفهم واقع بلاده، لكن من يضمن النهاية!

ونعود إلى حدوتة أن بلادنا العربية محتاجة أولاً إلى مؤسسات وقواعد حكم القانون قبل الدعوة للديموقراطية الليبرالية، وهو الشكل الوحيد للديموقراطية كما ولدت وتطورت في الغرب مع بداية عصر التصنيع.

ومن جديدٍ الدجاجة قبل البيضة أم العكس؟! المؤسسات القانونية أولاً أم الديموقراطية؟ فالحكم الأوتوقراطي الاستبدادي، ولو تحت بند "المستبد العادل" الذي تحلم به الثقافة العربية، هو حفر بئر في الماء، فالمستبد متى وصل إلى الحكم سيبقى مستبداً للنهاية ويقبر الآخرين، ويستحيل عندها أن تصدق خرافة شعار المستبد العادل، ولنا في تجارب الشقيقات العربيات أسوة "سيئة" أو "جيدة"، لنفهمها كما نفهمها ويفهمها الغربيون.

فالثقافة العربية الإسلامية بعيدة جداً عن الثقافة الليبرالية الديموقراطية الغربية وتاريخها، هكذا يقول الغربيون، وأهمهم فرنسا التي تستند إلى رجل الميليشيات المدمرة حفتر في ليبيا، كما ذكر الكاتب الإنكليزي غاردنر.

عادت تونس للحضن العربي أو "لم تعد"، سيظل مشوار الديموقراطية والتنمية والحريات بعيداً عن عالمنا، فلننتظر عشر سنوات أو مئتين، حتى نصل لبر الأمان في صحاري النهب والغزو وفوق الخيل يا شقرا.

المـؤكد أن شعوبنا كانت تريد خبزاً ونهاية للجوع والفقر، حين ثارت في الربيع العربي، أما صناديق الانتخابات فتلك جاءت عرضاً وبالمصادفة. عادت ورجعت تونس لنا، فما أحلى الرجوع إليه!

حسن العيسى