عشية الذكرى السادسة لتدخل روسيا العسكري، الذي رجح كفة القوات الحكومية السورية بالنزاع الأهلي الذي اندلع في 2011، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاء قمة مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، في مدينة سوتشي الروسية، يعد الأول بين الزعيمين منذ عام ونصف العام، لبحث التوصل إلى حلول وسط ورسم حدود النفوذ المتشابكة والتجديد لما يطلق عليه المراقبون "حلف الضرورة" بين الخصمين التاريخيين اللذين يجمعهما حالياً التوتر مع واشنطن.

وتصدرت ملفات رئيسية القمة، أبرزها الأوضاع في شمال سورية، حيت ترغب موسكو في إغلاق ملف إدلب، وذلك بعد نجاحها في ادخال دمشق الى درعا في الجنوب، والأوضاع في ليبيا حيث يتنافس الجانبان على تعزيز نفوذهما.

Ad

وقال بوتين، في مستهل محادثاته مع إردوغان: "إن المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحيانا، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين".

وأشاد الرئيس الروسي بـ"واقع العلاقات بين موسكو وأنقرة". وذكر أنه كان على تواصل مستمر منذ آخر لقاء مع إردوغان في مارس 2020.

وتطرق، في كلمته، خصوصاً إلى التعاون بين موسكو وأنقرة في ملفات دولية ملحة، قائلا: "نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سورية واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز الروسي ـ التركي الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ويمثل هذا التعاون ضمانا ملموساً للاستقرار وتنسيق مواقف الطرفين بشأن الخطوات الجديدة الرامية إلى تحقيق المصالحة".

كما أشاد بالتعاون في المجال الاقتصادي بين روسيا وتركيا، لافتاً إلى الديناميكية الإيجابية في التبادل التجاري والاستثمارات، بالإضافة إلى مشروع خط الأنابيب "السيل التركي".

وأكد بوتين أن أنقرة تشعر بالثقة والاستقرار حتى في ظل الاضطرابات في سوق الغاز في أوروبا، لافتاً إلى أن نمو التجارة بين البلدين في أقل من 9 أشهر أكثر من 50% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعني أننا لم نعوض فقط ما فقد خلال عام الوباء، بل زدنا حجم التبادل التجاري بأكثر من 30%.

وتابع الرئيس الروسي الذي أنهى، أمس، فترة عزل ذاتي فرضها على نفسه، بعد إصابة عدد من حاشيته بفيروس كورونا: "بطبيعة الحال، هناك العديد من المسائل المتراكمة، ويسرني جداً أن أرحب بكم في روسيا، لأنه لا يمكن مناقشة كل شيء هاتفيا".

تركيز تركي

من جهته، صب إردوغان، الذي يقف بمواجهة موسكو وإن بدرجات متفاوتة في ليبيا وأوكرانيا، اهتمامه على الملف السوري، في ظل تصعيد المقاتلات الحربية الروسية غاراتها على مواقع للمعارضة السورية بمناطق نفوذ تركيا في إدلب وحلب بشمال سورية.

وقال الرئيس التركي إن "السلام في سورية مرتبط بالعلاقات القائمة والخطوات التي تتخذها أنقرة وموسكو".

وأعرب عن ثقته بوجود فائدة كبيرة من استمرار العلاقات التركية الروسية وتعزيزها، معربا عن شكره للرئيس بوتين على تضامن موسكو مع أنقرة في إخماد حرائق الغابات التي شهدتها تركيا صيف العام الحالي، وترحم على أرواح الطيارين الروس الذين قضوا جراء تحطم طائرتهم أثناء إخماد حريق بولاية قهرمان مرعش التركية.

وتطرق إلى العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين قائلا: "رغم حدوث بعض التذبذبات في حجم التبادل التجاري، إلا أنه بحالة جيدة جداً في الوقت الحالي، وأعتقد أنه سيكون في وضع أفضل".

وعلى صعيد آخر، أكد إردوغان أن إنشاء "محطة أق قويو النووية" بتركيا، يسير وفق الخطة المرسومة، مضيفاً: "أعتقد أننا سنفتتح المفاعل الأول العام القادم، وهذا المشروع الضخم يساهم بتعزيز العلاقات القائمة بين أنقرة وموسكو".

ولم يتطرق إردوغان لتقارير عن استعداد بلاده لعقد صفقة جديدة لشراء المزيد من صواريخ "S400" الدفاعية الروسية، بعد تهديد أميركي بفرض عقوبات جديدة على أنقرة، العضو في تحالف شمال الأطلسي "ناتو"، إذا أقدمت على الخطوة.

وقبل ساعات من عقد القمة في المنتجع الروسي المطل على البحر الأسود، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن المباحثات ستركز على الملف السوري.

وأوضح جاويش أوغلو أن من المرجح مناقشة ملف دخول المساعدات إلى سورية، والملف الليبي وأفغانستان، حيث سعت تركيا من دون أن تلقى الكثير من النجاح الى ادارة مطار كابول، وهو ما رفضته "طالبان".

غياب وردع

وعشية انعقاد اللقاء، نفت مصادر تقارير عن دعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي تدعم بلاده الحكومة السورية، لحضور "قمة سوتشي"، في ظل التوقعات المتواضعة عن احتمال تمكن اللقاء بتجاوز الخلافات حول التطورات الأخيرة في منطقة خفض التصعيد بشمال سورية وخاصة في إدلب، حيث تشتكي موسكو من تداخل نشاط جماعات إرهابية مع مسار التسوية الذي ترعاه بين حكومة دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وأفادت مصادر بأن أنقرة جهزت خطط هجومية لـ"ردع أي تحرك من شأنه تغيير خريطة المنطقة شمال غرب سورية بإدلب، في حال فشل اللقاء بين إردوغان وبوتين".

ونقلت "رويترز" عن القيادي في "الجيش الوطني"، المدعوم من تركيا، الرائد يوسف الحمود قوله: "أنقرة دفعت بتعزيزات شملت 30 آلية ومدافع ودبابات لتعزيز نقاطها بمناطق ريفي حلب وإدلب، خلال الأيام القليلة الماضية"، بهدف صد هجوم محتمل للقوات النظامية.

«درون» أوكرانيا

من جانب آخر، أكد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن موسكو تعير اهتماما لتعاون كييف وأنقرة في المجال العسكري، لأنها لا تريد أن "يستخدم السلاح التركي لاستهداف سكان دونباس بجنوب شرقي أوكرانيا"، الذي تسكنه أغلبية ناطقة بالروسية. وتشهد مناطق جنوب شرق أوكرانيا حركة تمرد انفصالية ضد سلطات أوكرانيا الموالية للغرب، والتي أبرمت عدة صفقات لشراء طائرات مسيرة هجومية "درون" تركية الصنع.