هلع في العراق من عزوف شعبي يمنح البرلمان لـ«الفصائل»
في آخر تصريح له حول الانتخابات المقررة بعد عشرة أيام، قال الرئيس العراقي برهم صالح إن هذا الحدث سيمثل مراجعة لمنظومة الحكم، التي لم تعد صالحة بعد موجات الغضب الشعبي العارمة والمتواصلة طوال العامين الماضيين، حيث سقط خلالها نحو ٣٠ ألف قتيل وجريح، وشرد في إطارها المئات من قادة الاحتجاج تحت تهديد الفصائل المسلحة والاغتيالات المتسلسلة لأبرز رموز المعارضة الشعبية.وأكثر من يتفق مع الرئيس العراقي في رأيه هو ممثلو الفصائل الموالية لإيران، حيث تبدو مصممة على اجتياح البرلمان المقبل، لتغيير معادلات كثيرة تهدد وجودهم منذ اندلاع احتجاجات أكتوبر 2019 وإحراق مقراتهم، إلى جانب استهداف القنصليات والمصالح الإيرانية في جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، والمعترض على تدخلات طهران المكشوفة في الحياة السياسية العراقية.ويعتبر حلفاء طهران اقتراع أكتوبر اختبار لوجودهم، بعد النكسة التي تعرضت لها سمعتهم بسبب التصادم مع الشباب المحتجين، وانخراطهم عملياً في تنفيذ رغبات طهران بقصف المطارات العراقية والبعثات الدبلوماسية الغربية وأهداف في كردستان شمال البلاد أو دول مجاورة.
ونجحت الفصائل في إعادة تعيين 30 ألف مقاتل انسحبوا من صفوفها خلال حرب داعش، وربحت بذلك، خلافاً لإرادة معظم القوى السياسية، عشرات الآلاف من الأصوات الانتخابية، لتضمن منافسة قوية مع أكبر القوائم المفترضة، وهي كتلة التيار الصدري، الذي يدخل مواجهة مستمرة مع حلفاء طهران إلى جانب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وقوى علمانية واسعة وحلفاء مرجعية النجف المتحفظة بشكل علني على أجندة إيران في العراق والمنطقة.وأعلنت قوات من المتطوعين، تتبع السيستاني، ولاءها المطلق للدولة في كربلاء، وتبرأت من فصائل الحشد خلال مراسم الأربعين الحسيني ذات الأهمية الكبيرة لدى الشيعة، وأصدر المرجع السيستاني بياناً يحث فيه على المشاركة في الانتخابات وعدم التصويت للفاسدين، في حركة تعكس قلق التيار المعتدل من العزوف الشعبي الواسع المتوقع يوم التصويت.وينبع قلق التيار المؤيد للسياسات المعتدلة مما حصل في انتخابات 2018، حين تراجعت نسبة المشاركة من معدل ٤٥٪ المعتاد إلى أقل من 20٪، الأمر الذي أتاح للمرشحين المتشددين زيادة مقاعدهم في البرلمان بنحو ملحوظ. وتراهن الفصائل على عزوف شعبي أكبر هذه المرة، يقلل من حجم الأصوات المطلوبة للفوز، ويخفف مهمة أنصارها في الحصول على كتلة كبيرة في البرلمان، تستطيع بدورها أن تحرج التيار المعتدل أكثر من الموسم السابق وتفرض تعديلاً على قواعد اللعبة يلائم إيران.وحاول اليسار والعلمانيون والتيار الصدري وقوى أخرى تأجيل الانتخابات إلى الربيع المقبل، كي تنظم القوى الاحتجاجية الشبابية الواسعة صفوفها وتستعد لخوض المنافسة في أجواء أقل احتداماً، لكن الضغوط كانت كبيرة للمضي نحو موعد العاشر من أكتوبر، وجاءت أكبر الضغوط من الإدارة الأميركية الجديدة، حسب الأوساط السياسية في بغداد، إذ يريد الرئيس جو بايدن أن يتخلص من عبء الانتخابات ويسحب قواته بسرعة من العراق، مما يثير مخاوف واسعة تتبلور سيناريوهاتها على وقع الانسحاب الأميركي الدراماتيكي من أفغانستان، والذي سلم ذلك البلد للمتشددين في حركة طالبان.ويختصر أهل الرأي في بغداد مخاوفهم بالحديث عن لحظة صعبة تتلو إعلان نتائج الانتخابات، المقرر أن يكون بعد يوم واحد من إجرائها، إذ حتى لو نجحت قوى الاعتدال في كسب أغلب الأصوات فإنها ستواجه طعوناً واسعة من حلفاء طهران، الذين يشاركون لأول مرة بمعظم فصائلهم ويريدون نتيجة كبيرة، فربما سيخوضون حينها مواجهة تثير القلق مع أجهزة الدولة التي يترأسها ثنائي برهم صالح ومصطفى الكاظمي، وهما أبرز من دخل مواجهة إلى جانب الحراك الشعبي ضد نفوذ الميليشيات، منذ احتجاجات 2019 .