حول الحوار
لا توجد خيارات يمكن قبولها أو رفضها حول الحوار المنتظر بين ممثلي النواب والحكومة، لتحقيق المبادرة الأميرية للمصالحة السياسية للدولة، فالواقع السياسي- الاقتصادي سيُملي أحكامه رضينا أو رفضنا، وعنونة القضية بـ "حوار" بين طرفين ليست دقيقة، فالحوار يتطلب نوعاً من توازن القوى بين المتحاورين (المتفاوضين)، ويفترض أيضاً أن تكون هناك مساحة مشتركة يمكن أن يتحرك عليها المتحاورون، ولا يوجد أيّ من الأمرين. فالحكومة هي السلطة التي تمثل الطرف الأقوى التي قد تملي ولا تتحاور، لكن حتى الحكومة الآن ليس أمامها خيارات في ظل أزمة الاقتصاد الطاحنة، وسببها تاريخ طويل من الأخطاء على الجانب السلطوي، لكن آخر الأمر، مستقبل الدولة يريد العنب وليس ضرب الناطور، ففرض ضرائب وخفض الدعوم وزيادة الرسوم كلها أمور لا يمكن تجنّبها، وإنما يمكن تخفيض أثرها على البسطاء من ذوي الدخول المحدودة أو حتى المتوسطة حين تحدد تفاصيل الحلول، فيما بعد، مع الأخذ باعتبارات العدالة الاجتماعية، وقبل ذلك إقرار قانون الدَّين العام مسألة حتمية لا يمكن تأجيلها، فهذه دولة رواتب وليست دولة مصانع، فكيف يمكن صرف هذه الرواتب في حال استمرار حالنا الاقتصادي- المالي؟ إصلاحات اقتصادية جذرية، أي بتر حالة الريع التي قام عليها الاقتصاد الكويتي من يوم ولادة برميل النفط ليس مسألة سهلة في مواجهة عُرف استقر في وجدان الكبير قبل الصغير أساسه الأخذ دون العطاء، فكل واحد يتصور أن هذا حقه على الدولة، وليس عليه التزامات نحو الوطن وأجياله، وليس هذا بسبب جينات طبيعية للمواطن، وإنّما هو مرض خلقته السلطة منذ البداية لأسباب ترجع إلى طبيعتها القبلية وفكرها المحصور فيه، أيضاً بقدر ما تريد السلطة شد الحزام على خصر المواطن، عليها أن تشد الحزام قبل هذا على وسطها المترهل وعلى جماعات المتحلّقين حولها، وهي تعرفهم جيداً.
العفو عن المهجّرين في قضية دخول المجلس، مسألة يجب أن تُحسم بعودتهم دون المساس بكراماتهم، وليت العفو يمتد لكل مَن حُكم عليهم وسجنوا أو هربوا من الدولة في قضايا الرأي من مغرّدين وغيرهم من أصحاب الرأي. في المقابل، لمَ لا يكون هناك تحصين لرئيس الوزراء لفترة محددة قادمة، ففقه الواقع أقوى من فقه الدستور؟ وأبناء السلطة الحاكمة محصّنون منذ لحظة ميلادهم في كثير من الأحوال، فلنتفق على هذا الآن، ولا نتشبث بمثاليات نعرف أنه لا يمكن تحقيقها في مثل ظرفنا الراهن. وضع النواب الذين سيتفاوضون صعب جداً، وقد يتم تحميلهم ما لا يمكن تحمّله من قبل ناخبيهم أو المثاليين الذين أيديهم في الماء لا في النار، لكن عليهم (أي النواب) أن يتقبلوا مثل هذا الوضع الحرج، والتضحية بالشعبوية ستكون ضرورية منهم من أجل مستقبل أجيالنا. قضايا "الحوار" التي عرضتها جريدة الراي قبل أمس الأول، يفترض أن تكون البداية، وعلى الطرفين المتحاورين، في لحظة توافقهما عليها، أن يشرعا في النظر بقضايا أخرى لا تقل أهمية عمّا سبق ذكره، مثل أوضاع الكويتيين البدون ومأساتهم المستمرة منذ عقود، ووضع المرأة الكويتية والظلم الكبير الواقع عليها، ونقض القوانين البائسة المرتبطة بالحريات الخاصة والعامة... وهناك قائمة طويلة ملتصقة بطبيعة السلطة صاحبتها أمراض اجتماعية مدمرة استقرت في عضد الدولة ستظل باقية، لكن لا بدّ من الشروع في فتح ملفاتها، فلا نملك خيارات اليوم في عالَم يضجّ بالتحديات الخطيرة، لا مكان فيه للضعفاء المترددين الذين يخشون التغيير.