ماذا حدث في الكويت... هل المطالبة بالعدل تستفز البعض؟
عطفاً على مقاليّ المنشورين على هذه الصفحة الأسبوع الماضي، واللذين طالبت فيهما بالعدل مع كبار السن من المقيمين، ذوي الدخل المحدود، الحاصلين على مؤهل متوسط وما دونه، وما الذي يستفز البعض، حسبما جاء في وصف أحد الكتّاب لهذين المقالين، من مطالبتي بمساواتهم بأقرانهم من المقيمين، في تجديد إقاماتهم، وقد أفنوا جل عمرهم في خدمة هذه البلاد وفي خدمة المواطنين، طهاة وعمالاً في المطاعم والمجالات التجارية وحراساً للعمارات التي يملكونها، وعمال بناء يبنون مساكنهم، وقد أدوا رسوم التأمين الصحي الذي يقوم على التكافل الاجتماعي بين المقيمين طيلة فترة صباهم حيث كانت الصحة موفورة والخدمات الصحية التي أديت لهم محدودة، ومن حقهم أن يفيدوا من خدمات التأمين، وقد وهن العظم واعتلّت الصحة.سيدنا عمر واليهودي
أليس الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أسوة لنا فيما فعله باليهودي المسن حين رآه يتسول في الطريق، عندما كان سيدنا عمر يتفقد الرعية، فسألة سيدنا عمر: ما لك يا شيخ؟ فقال الرجل: أتسول لأدفع الجزية، فقال له سيدنا عمر: والله ما أنصفناك، نأخذ منك شابا ثم نضيعك شيخاً، والله لأعطينك من مال المسلمين، وأمر بإعطائه حاجته من بيت مال المسلمين.العدل جوهر الإسلاموإقامة العدل هي جوهر الإسلام ومن صفات الإمام العادل، ما وصفته به رسالة الحسن البصري إلى أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز أنه صلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف كالأب الحفي على أولاده، والأم الشفيقة البرة الرحيمة بأولادها، كالقلب بين الجوانح، تصلح بصلاحه وتفسد بفساده.يقول المولى عز وجل: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ». ويقول سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة».وقد أمرنا الله بالعدل في (29) آية من آياته البينات، في سورة البقرة (الآيات 48 و123 و282) وفي سورة المائدة (8 و95 و106) وفي سورة النساء (الآيات 3 و58 و129 و135) وفي سورة الأنعام (الآيات 1 و70 و115 و150 و152) وفي سورة الأعراف (159 و181) وفي سورة النحل (الآيتان 76 و90) وفي سورة النمل (الآية 60)، وفي سورة الطلاق (الآية 2). العدل مع من نكره بل أمرنا المولى عز وجل بالعدل مع من نكره في قوله تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». فالمولى عز وجل العليم بضعف النفس البشرية وسوءاتها ينهانا عن أن تكون كراهيتنا لقوم سببا لظلمنا لهم. ففي هذه الآية الكريمة يأمرنا المولى عز وجل بالعدل حتى مع من نكره ولا نحب، ويقول المولى عز وجل: «وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ»، والعدل هو بعض ما أنزله الله إلينا في كتابه الكريم، بل هو أسمى ما أنزله سبحانه.فالبغض الذي يحمله البعص للمقيمين بوجه عام، لا يجوز أن يكون سبباً لحملهم على ظلم كبار السن منهم، ولم يصدر منهم ما يشينهم، وإن من الثوابت الأساسية في ثقافة أهل الكويت، توقير كبار السن، ولو كانوا قد فعلوا ما يشينهم، وهو افتراض جدلي يخالف الحقيقة والواقع، فليكن لنا في سيدنا عمر بن عبدالعزيز، رضي الله عنه، الأسوة الحسنة، فقد قيل له: «يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها ولا يقومها إلا السوط، فأجابهم كذبتم فإنما يقومها العدل والحق».كبار السن وحق الحياةوكعادة الإعلام الإلكتروني الذي يشع على العالم بنور المعرفة في وجهه الجميل، ويشيع الفتن والكراهية، فقد كذب البعض على الناس و«شير» على «تويتر» أني طالبت بمنح الوافدين الجنسية الكويتية، فالمقيمون من كبار السن لا يطلبون إلا حق الحياة، وهو ما طلبته لهم في مقاليّ سالفي الذكر، وإن كل ما قلته في هذين المقالين، أن بعض الدول تكافئ من خدمها لمدة طويلة بمنحه إقامة دائمة وبعضها يمنحه الجنسية، فردي عليهم في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سئل: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، وسئل ثانية: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، ولما سئل: أيكون المؤمن كاذباً؟ قال: لا».إلا الدستوروتبقى هذه العبارة «وصيتي للكويت إلا الدستور» التي اتخذتها عنوانا لمقال لي نشر على صفحات (الجريدة) في عددها الصادر في 17/ 9 / 2007، ثم أصبحت شعاراً للتجمعات السياسية في ساحة الإرادة، فصون الدستور كان محور مقاليّ المستفزين! وهو ما سيترتب على زيادة الأعباء المالية على المقيمين من كبار السن عند تجديد إقامتهم من الوقوع في خدمة مخالفة المواد (2 و7 و24 و29 و48 و162 و163) من الدستور. إنها نصوص يجب تفعيلها ويجب على الجميع الحرص على احترامها لتظل الكويت إمارة للإنسانية في نظر العالم كله، وقد نص الدستور في المادة (29) على «أن الناس متساوون في الكرامة الإنسانية».