إن كوفيد19 يدفع العالم إلى حافة الهاوية، فقد قتلت الجائحة أكثر من 4.7 ملايين شخص، وتسببت في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 4.6% سنة 2020 ودفعت مابين 119 و124 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر المدقع، واليوم فإن واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص تقريبا حول العالم ليس لديهم طعام كاف ليأكلوه، في حين تجبر الصراعات والكوارث الطبيعية التي تسبب بها التغير المناخي العائلات على ترك منازلهم كما يؤدي تعطيل المدارس الناتج عن ذلك الى جعل الأطفال المتضررين من الأزمة يتخلفون عن الركب أكثر من أي وقت مضى.

عندما أطلق قادة العالم صندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر وهو صندوق الأمم المتحدة العالمي للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات الممتدة، في القمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016، كان هناك 75 مليون طفل وشاب على مستوى العالم محرومون من حقهم في التعليم نتيجة الصراعات والنزوح والكوارث الطبيعية.

Ad

أما حاليا وفي حين يستمر كوفيد19 في إلحاق الضرر بالدول الأقل نمواً في العالم ومع تصاعد الأزمات الأخرى فإن عدد الأطفال خارج المدارس قد زاد ليصبح طبقا للتقديرات 128 مليون طفل، وهذا الرقم هو رقم تقديري من المرجح أن يزيد في حين تتعمق الأزمات المتضاعفة في العالم، وهذا الرقم يزيد بالفعل على عدد سكان اليابان أو عدد سكان فرنسا وإيطاليا مجتمعين وفي الوقت نفسه، فإن اثنين من كل ثلاثة طلاب على مستوى العالم مازالوا متأثرين بإغلاق المدارس والعديد منهم وخصوصاً الفتيات قد لا يعودون إلى التعليم بدوام كامل مما يزيد خطر تصاعد زواج الأطفال وعمالتهم.

إن التعليم هو أساس السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، والجائحة والتغير المناخي والتحولات الجيوسياسية نقطة تحول للعالم، حيث ستحدد مسار التنمية البشرية لأجيال عديدة قادمة، مما يعني أنه يجب علينا التحرك بشكل عاجل لجعل التعليم على قمة الأولويات.

لقد طلب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال المنتدى السياسي الرفيع المستوى للتنمية المستدامة لهذا العام من القادة إعادة التفكير في كيفية تخصيص الموارد والاستجابة للتحديات العالمية في حين نسابق الزمن لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول سنة 2030، ومن الصعب تصور استثمار أفضل من التعليم.

بادئ ذي بدء، إن الاستثمار في التعليم للجميع– بمن في ذلك الأطفال المتأثرون بالأزمات- يمكن أن يسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي طويل المدى، إذ توحي الدراسات بأن كل سنة إضافية من التعليم قد ترفع الدخول بنسبة 8 إلى 10% وبالمثل يقدّر البنك الدولي بأن تمكين كل فتاة لإكمال 12 سنة من التعليم قد يولّد مبلغاً إضافياً يتراوح بين 15 و30 تريليون دولار أميركي من الإنتاجية والمكاسب مدى الحياة.

وتظهر الأبحاث كذلك أن الصراع العنيف ينخفض بنسبة تصل الى 37% عندما يكون للفتيان والفتيات قدرة متساوية على الوصول للتعليم، كما أن سد الفجوات بين الجنسين في التعليم يمكنه أن يسهم في الحد من تغير المناخ والجوع وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وإن هناك جيلاً من المهنيات والقائدات اللاتي يمكن تمكينهن لكسر الحلقة المفرغة من الفقر والعنف والتشريد والجوع، وفي واقع الأمر فإن المكاسب الاقتصادية من توسيع تعليم الفتيات لوحده قد تفوق الى حد كبير التكاليف المالية للاستثمارات اللازمة مما يحقق فوائد تستمر لأجيال.

فيما يتعلق بالشركات فإن المكاسب الاقتصادية غير المتوقعة تلك ستخلق أسواقاً جديدة وتروج للاستقرار في مناطق تنتشر فيها الفوضى حاليا بالإضافة الى تعزيز جدوى الاستثمارات على المدى البعيد، وإن رواد الأعمال في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية سيحصلون على مسارات لإنشاء جيل جديد من الشركات.

وفيما يتعلق بالحكومات فإن الوعد بنمو اقتصادي أسرع يعني المزيد من الإيرادات، علما أن المزيد من الموارد سيمكّن صناع السياسات من الاستجابة بشكل أقوى لأزمة المناخ، وتعزيز الحماية البيئية، وبناء الطرق والبنية التحتية الإنتاجية، بالإضافة الى توفير رعاية صحية أساسية، وتعليم وخدمات اجتماعية.

لكن الأطفال العالقين في مناطق الصراع والذين هم على شفا المجاعة سيحصدون أعظم الفوائد، فالتعليم بالنسبة إليهم الجيد، يعني أماكن آمنه للتعليم وخدمات صحة نفسية، وبرامج تغذية مدرسية، والقدرة على الوصول للمياه والصحة العامة، كما أن مبلغ 220 دولاراً أميركياً فقط سنويا يمكن أن يمنح طفلاً يعيش في منطقة أزمات تعليماً جيداً وشاملاً، في حين يكلّف التشريد والنزوح الداخلي الاقتصاد العالمي أكثر من 20 مليار دولار أميركي سنويا أو حوالي 390 دولاراً أميركياً لكل شخص مشرد.

وفي حين تم تحقيق بعض التقدم فإن هناك حاجة لعمل المزيد الآن، وفي اجتماع طاولة مستديرة عالمي عُقد مؤخراً بتنظيم مشترك من المملكة المتحدة وكندا ووكالة الأمم المتحدة للاجئين وصندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر، سلط مبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي غوردن براون الضوء على تقديرات البنك الدولي التي تشير إلى أن تلبية الاحتياجات التعليمية للأطفال اللاجئين فقط ستكلّف أكثر من 4.8 مليارات دولار أميركي سنويا. يجب علينا تحفيز الاستثمارات اللازمة لسد هذه الفجوة وعلى وجه التحديد يجب على الجهات المانحة العامة والقطاع الخاص وأصحاب المصلحة الرئيسيين مثل المؤسسات الخيرية والأفراد أصحاب الثروات الكبيرة والحكومات المحلية جمع مئات الملايين من الدولارات وبشكل عاجل كتمويل إضافي لصندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر.

وفي حين نعيد التفكير في التدخلات الإنسانية والتنموية في القرن الحادي والعشرين، يجب أن يكون التعليم محوريا في استجابتنا للاضطرابات المتزايدة المرتبطة بكوفيد19 والصراعات العنيفة والتغير المناخي، ويجب علينا اتخاذ إجراءات جريئة الآن علما أن التعليم بالنسبة إلى ملايين الأطفال الذين تهدد أزمات اليوم مستقبلهم لا يمكن أن ينتظر.

* مديرة صندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر.

* ياسمين شريف

Project Syndicate