التاريخ السياسي للحوار... وماذا نتوقع منه؟
منذ بداية تشكيل النظام السياسي، يمثّل الحوار عنصراً أساسياً في إدارة العجلة، والدلائل على ذلك كثيرة، نذكر منها هجرة تجار اللؤلؤ، واستخدام مبارك الصباح الحوار لإعادتهم، وإنشاء مجلس الشورى بعد وفاة الشيخ سالم المبارك عام 1921، والمجلس التشريعي 1938، الذي انتهى بصدام وانقطع الحوار بعده، حتى تولي الشيخ عبدالله السالم الحكم في 1950، وكانت قمة إنجازات الحوار هي دستور 1962 ، وكان بالإمكان أن يكون شيئاً آخر، وقد سبق إقرارَه أزمةٌ سياسية حادة أُغلقت فيها الصحف والأندية.وما إن تشكّلت بنية الدولة الوطنية بأجهزتها، وأموالها، وقدراتها، وانحسار دور القوى المنافسة، لم يعد هناك من يقدر على الحد من اندفاع الحكومة في الاستئثار بالسلطة، إن هي أرادت ذلك، وقد أرادت وفعلت، والأمثلة على ذلك كثيرة من 1966، و1966، و1980، و1981، و1982، و1986 إلى آخره، واتضح أنه كلما استأثرت الحكومة بالسلطة، فإن النتائج تكون ضارة للمجتمع.ومن هنا يأتي الحديث عن الحوار كأداة لحل الأزمات العالقة. فالأزمات المتكررة هي جزء من ملامح النظام السياسي الكويتي، ولا يمكن الخروج من تلك الأزمة إلا بالتوافق الجزئي، إلا أنه من غير المتوقع أن يحدث اختراق كبير لإنهاء الأزمة السياسية، أو أن يتحول الحوار إلى تفاوض، فموازين القوى محسومة لمصلحة الحكومة، أما القوى الشعبية فقوتها بالتفاف الناس حولها، والحوار شيء والتفاوض شيء آخر.
وكنت قد كتبت سلسلة مقالات بعد انتخابات 5 ديسمبر الماضي، لتبيان مداخل تحريك أزمة متوقعة بين المجلس والحكومة، كانت خلاصتها التالي:"إدخال عناصر نيايبة فاعلة في الحكومة، كما جرى في مجلسَي 1992 و1996، حيث خففوا التوتر بين السلطتين، (وهو ربما ما سيحدُث)، والخيار الأنجع والأفضل، أن يتم فتح حوار جدي، بقضايا محددة معروفة وسقف زمني، بين النواب والحكومة، وربما من خارجهما، للتفاهم حول مستقبل البلاد، وتغيير نهج إدارة الدولة، وليس فقط نزع فتيل أزمة قادمة، تليها أزمة أخرى.العملية السياسية لدينا بوضعها الحالي محدودة الأفق، قد تحقق انفراجاً هنا أو انفراجاً هناك، وانكسارات أكثر، فالحكومة فيل ضخم بحاجة دائمة إلى تأكيد التزامه بروح ومبادئ الدستور، قولاً وفعلاً، حتى لا يدوس على ما تبقّى من الزرع، وحتى لا نكرر المقولة الشعبية "المرعى خضر بس العنز مريضة".