المغتربون اللبنانيون والصوت المنتظر
عندما قررت الناشطة زينة المقدم أن تحزم حقائبها إلى بيروت ناشدت أصدقاءها ألا تتركوا بلدكم ينهار داعية إياهم إلى المشاركة مع مجموعة "نحو الوطن" (nahwa alwatan) وهي من المجموعات الاغترابية التي استشعرت مبكراً ضرورة الانخراط في تغيير الصورة والواقع السياسي العفن. زينة ومجموعتها ليسوا سوى حزمة أو عينة من حال المغتربين اللبنانيين في الكويت وغيرها من الدول، الذين هبّوا إلى التعبير عن أصواتهم بحرية واستقلالية تامتين، وهم في النهاية تعبير عن نبض الشارع الاغترابي، قرأنا بعد ذلك خطابا جماعيا موجها من 20 مجموعة اغترابية في القارات الست إلى وزارة الخارجية يعلنون فيها مطالبهم وأنهم لن يقبلوا التهميش وكتم أصواتهم. أظهرت الجالية اللبنانية في الخارج اهتماماً غير مسبوق بما يجري في الداخل اللبناني وما عاناه من مآس وكوارث بدءاً من نكبة المرفأ إلى أزمة كورونا مروراً بالفساد السياسي الجاثم على صدورنا من طبقة حاكمة عاثت خراباً ودماراً دون محاسبة! والحديث عن إلغاء التصويت للمغتربين بات من الماضي بعدما شعرت حكومة ميقاتي أن الموضوع غير قابل للمساومة تاركة أمر التعديل لمجلس النواب إذا شاءت القوى السياسية ذلك! الاغتراب والانتخابات من الملفات الساخنة الحاضرة هذه الأيام، بعد تجربة أولى جرت عام 2018 ولأول مرة بتاريخ البرلمان اللبناني يتم تصويت المغتربين من سفارات وقنصليات الدول التي يقيمون ويعيشون فيها.
أول مرة يتم فيها تصويت المغتربين بعد إدخال تعديلات على قانون الانتخابات بما في ذلك اعتماد النسبية، وفي حينه وصل عدد المسجلين إلى 82 ألفاً تقريباً اقترع منهم 46 ألفاً أي 2.5 في المئة من المقترعين و56% من المسجلين... تلك التجربة كانت "رمزية" ولم تحدث أي تغيير في خريطة الانتخابات أو في التحالفات واللوائح، وكانت أشبه "ببروفة" أولية، اليوم وفي انتخابات مايو 2022 القادم سيتم انتخاب 6 نواب إضافيين في المجلس يمثلون المنتشرين في العالم، إضافة إلى 128 نائباً في الداخل وبالتالي سيصبح عدد النواب 134 نائباً، المقاعد الستة ستوزع بالتساوي على القارات الست وعلى المسيحيين والمسلمين، بحيث يعطى مقعد واحد لكل من الطوائف الكبرى، وهم الموارنة، روم أرثوذكس، روم كاثوليك، السنّة، الشيعة، الدروز، وهذا على أساس النظام النسبي ودائرة انتخابية واحدة وصوت تفضيلي. الدورة القادمة سيكون لها طعم مختلف على صعيد المغتربين والحديث يدور عن مشاركة مليون مغترب بالتصويت، وهي نسبة وازنة وفاعلة إذا حدثت، لذلك الرهان فعلياً سيكون على هذه المجموعات التي أظهرت حماساً بالقول والفعل، فالمرحلة تتطلب التغيير ومن الأسفل، هؤلاء والغالبية منهم متحررون من سطوة الطوائف والأحزاب، أي أنهم "وطنيون"، بمعنى التعريف الواقعي للمواطنة والانتماء للبنان كما يفترض أن يكون على شاكلته وما يطمح إليه.السؤال، هل بإمكان المليون أو نصف المليون وهذا رقم متفائل جداً نأمل ونتمنى أن يحصل، التعويل عليهم بفعل التغيير المرتجى خصوصاً أن قسما كبيرا منهم بعيدون عن القوى الطائفية وليسوا مرتهنين لهم لا بالخدمات ولا بالتوظيف ولا بغيرها من العطايا! لا شك هناك متضررون من مشاركة المغتربين بالتصويت وتخوف من دخول قوى جديدة إلى البرلمان، فقد تغير مزاج اللبناني المغترب تناغماً مع قوى المجتمع المدني والثوار والمستقلين والفئة الصامتة، وهؤلاء لم يعودوا يرتضون بالتساهل وتوزيع الحصص والغنائم على زعماء الطوائف وناهبي ثروات البلد. لم يعد من المقبول التعاطي مع المغتربين على قاعدة "نحن بحاجة لأموالكم ولسنا بحاجة لأصواتكم"، فالدور لا يقتصر فقط على تحويل الأموال، بل على إيصال الصوت والمشاركة في التشريع.. بالرغم من أن الـ8 مليارات دولار التي يتم ضخها سنوياً إلى حسابات اللبنانيين في الداخل، تشكل أهم مصادر الدخل للدولة وأثبتت الأحداث الماضية قيمة وأهمية هذا الدور. أحدث الاستطلاعات أظهرت أن معظم المغتربين سيصوتون ضد الأحزاب الحاكمة، وهذا مؤشر جيد ومأمول منه أن يحدث فارقاً في النتائج وبانتظار صدور المراسيم التطبيقية بكيفية تنفيذ انتخابات النواب الستة المغتربين! والإجابة عن أسئلة من نوع، هل سيكون لهم الحق في الترشح؟ وهل سيقيم هؤلاء، النواب الـ6 في لبنان ويشاركون في الجلسات واللجان؟ أم أن وجودهم سيكون فقط "للديكور" كما هي "الديموقراطية التوافقية" الممسوخة والمشوهة التي يعمل بها؟