رياح وأوتاد: الحوار امتحان لمدى الالتزام بالدستور
إن لجوء كل طرف الى شرح موقفه ورأيه بالإقناع والبيان هو الغاية من الحوار مع احترام كل طرف للحقوق الدستورية للطرف الآخر، فبذلك يكون الحوار منتجاً، ويعذر كل طرف الأطراف الأخرى في حالة الخلاف، أما إذا تمسك كل طرف برأيه وموقفه وهدد باستخدام أدوات تخالف الدستور فهذا كفيل بفشل الحوار.
الحوار في كل الأمور مطلوب، حيث يتم تبادل وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، ومحاولة لفهم الرأي الآخر ودوافعه، ولفت نظر الأطراف إلى ما قد يغيب عنهم من نصوص ومصالح مشروعة ومفيدة. وقد ينجح الحوار في الوصول إلى اتفاق، وهذا جيد، لكنه قد لا ينجح أيضاً، وذلك عندما يتمسك كل طرف بموقفه من الخلافات، ويعتقد مخلصاً أن موقفه هو الأفضل والأصلح.ومن أجل تجاوز الحوار للخلافات المتوقعة يجب العودة بالمواقف المتمسك بها إلى الأحكام الدستورية، وهي الميثاق المتفق عليه قبل نشوء الخلاف، وهي التي تحكم العلاقة بين الأطراف، وبالتالي يجب القبول بحكمها وعدم القفز عليها، ولنأخذ على ذلك مثالين أعتقد، والله أعلم، أنهما سيطرحان في الحوار المتوقع أن يبدأ اليوم:
الأول: هو موضوع العفو الذي سيكون بنداً أساسياً في الحوار، فقد صرحت بعض الكتل أنها مصرة على إصدار عفو خاص غير مشروط، في حين تسربت أخبار من كتلة أخرى بإمكانية تقديم اعتذار مخفف الشروط، ولكن إذا أصرت السلطة على اعتذار صريح مثل الذي قام به د. فهد الخنة ود. وليد الطبطبائي، وأن العفو الخاص يملكه الأمير وحده حسب الدستور، ولا يجوز لأحد أن يملي إرادته على أمير البلاد، فهل سيقبل الطرف المطالب بالعفو غير المشروط بهذا الحق الدستوري؟ أم سيعود إلى التأزيم وتعطيل الجلسات واستجواب رئيس الوزراء وعدم التعاون؟ولا شك أن هذا إذا تم فإنه يعتبر نهاية للحوار، وخروجاً على النصوص الدستورية التي أقسم النواب على احترامها، والتي وضعت حق العفو الخاص بيد الأمير وحده، وهو إجراء معمول به في معظم دول العالم. والبديل الصحيح أمام النواب في هذه الحالة هو التقدم باقتراح قانون العفو العام وفقاً للمادة 75 من الدستور (بصياغة دستورية سليمة) ثم القبول بنتيجة التصويت دون تأزيم حتى لو ردته الحكومة للتصويت مرة أخرى وفقاً للمادة (66) من الدستور، وهو يعني عدم تمريره إلا بأغلبية خاصة، وهذا حق دستوري يجب القبول به أيضاً. والمثال المقابل هو إصرار الحكومة على تأجيل الاستجوابات المزمع تقديمها إلى رئيس الوزراء إلى ما بعد دور الانعقاد الثاني، ولا يوجد في الدستور ما يسمح بمثل هذا الإجراء، وقد صرح رئيس الوزراء وبعض النواب أن الذي دفع المجلس إلى اتخاذ هذا القرار هو كثرة تقديم الاستجوابات من أول يوم، أي حتى قبل أن تبدأ الحكومة بالعمل، خصوصاً أنها استجوابات غير دستورية. وإذا تمسك كل طرف برأيه وموقفه في هذا الموضوع فإن التأزيم سيعود وستتعطل الجلسات مرة أخرى، وهذا الخلاف يجب طرحه في الحوار بكل شفافية للوصول الى اتفاق والعودة أيضاً الى أحكام الدستور، وذلك بإلغاء قرار التحصين، ويمكن اللجوء كبديل عنه الى المادة 135 من اللائحة التي تسمح بتأجيل الاستجوابات مددا طويلة بعد تقديمها لا قبل تقديمها، وفي المقابل يجب شطب الاستجوابات غير الدستورية، كما يجب أن تُعطى الحكومة الفترة المناسبة للعمل، ويمكن بعدها تقديم الاستجوابات وفقاً للمادة 134، أي يجب أن يتضمن الاستجواب الوقائع والموضوعات، وكذلك تنص المادة نفسها على وجوب خلو الاستجوابات من العبارات غير اللائقة أو الماسة بكرامة الأشخاص أو الهيئات، كما يمكن أيضاً الاتفاق على اللجوء الى المحكمة الدستورية. وهكذا فإن لجوء كل طرف الى شرح موقفه ورأيه بالإقناع والبيان هو الغاية من الحوار مع احترام كل طرف للحقوق الدستورية للطرف الآخر، فبذلك يكون الحوار منتجاً، ويعذر كل طرف الأطراف الأخرى في حالة الخلاف، أما إذا تمسك كل طرف برأيه وموقفه وهدد باستخدام أدوات تخالف الدستور فهذا كفيل بفشل الحوار بعد عمر قصير من بدايته وعودة التأزيم وعدم الاستقرار.