الربط بين العناصر في الصين

نشر في 04-10-2021
آخر تحديث 04-10-2021 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت كل العيون مثبتة على جانب الصين المظلم؛ وهذا أمر سبق لنا أن رأيناه يحدث، إذ دائما ما كان يُنظر للصين على أنها من سيسقط لاحقا منذ الأزمة المالية الآسيوية التي اندلعت في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، يليها ركود الإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، ومع ذلك، تحدى الاقتصاد الصيني، مرارا وتكرارا، التوقعات القاتمة بمرونة فاجأت معظم المراقبين.

يمكنك أن تعتبرني من بين القلائل الذين لم يتفاجأوا عندما تبين أن الإنذارات السابقة كانت خاطئة، ولكن اعتبرني من بين الأشخاص الذين يرون أن الأمور تختلف هذه المرة.

وعلى عكس معظم الناس، لا أعتقد أن مجموعة (إفر غراند) هي المشكلة، بل ليست حتى نقطة التحول التحفيزية، نعم يواجه ثاني أكبر مطور عقاري في الصين مشكلة عويصة، ومن المؤكد أن ديونه المتراكمة البالغة نحو 300 مليار دولار تشكل مخاطر ذات نطاق أوسع على النظام المالي الصيني، ومن المحتمل أنها ستخلف آثارا مضاعفة في الأسواق العالمية، ولكن من المرجح أن يكون حجم هذه الآثار المتتالية أقل بكثير من أولئك الذين يعلنون بصوت عالٍ أن أزمة (إيفرغراند) تشبه تلك التي تعرض لها بنك (ليمان براذرز) الصيني، مما يشير إلى أن "لحظة مينسكي" قد تكون أقرب مما نتصور.

وهناك ثلاثة اعتبارات تبرهن العكس:

أولاً، تمتلك الحكومة الصينية موارد وافية لدعم تخلف (إفرغراند) عن سداد القروض، والتحصين ضد التداعيات المحتملة على الأصول والأسواق الأخرى، وبامتلاك الصين نحو 7.5 تريليونات دولار من المدخرات المحلية و3 تريليونات دولار أخرى من احتياطيات النقد الأجنبي، فإن لديها قدرة أكثر من كافية لاستيعاب أسوأ انهيار قد تتعرض له مجموعة (إيفرغراند)، وتؤكد عمليات ضخ السيولة الضخمة الأخيرة التي قام بها بنك الصين الشعبي على هذه النقطة.

ثانياً، لا يمكن مقارنة (إفرغراند) بأزمة "البجعة السوداء" الكلاسيكية، لأنها نتيجة تسببت فيها السياسة الصينية عن إدراك وتعمد، إذ تهدف الصين إلى تقليص المديونية، وإزالة المخاطر، والحفاظ على الاستقرار المالي، وعلى وجه التحديد، أحرزت الصين تقدماً جيداً في الحد من نشاط الظل المصرفي في السنوات الأخيرة، مما حد من إمكانية التصدي لإصابة قطاعات أخرى من أسواقها المالية بالعدوى، وعلى عكس (ليمان) وأضراره الجانبية المدمرة، لم تُخلف مشكلة (إيفرغراند) صدمة وسط صانعي السياسة الصينيين.

ثالثاً، إن المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الحقيقي، والتي دخلت مرحلة مؤقتة، محدودة، إذ يحظى جانب الطلب في سوق العقارات الصيني بدعم جيد من خلال الهجرة المستمرة للعمال الريفيين إلى المدن، وهذا يختلف تماماً عن انهيار فقاعات الإسكان المضاربة في بلدان أخرى، مثل اليابان والولايات المتحدة، حيث كانت فائض العرض غير مدعوم بالطلب، ورغم أن نسبة سكان الصين في المناطق الحضرية قد ارتفعت الآن بشكل طفيف فوق 60٪، لا يزال أمامها الكثير حتى تصل إلى عتبة 80-85٪ النموذجية للاقتصادات الأكثر تقدماً، وعلى الرغم من الروايات الأخيرة بشأن انكماش المدن- وهي روايات تذكرنا بالإنذارات الكاذبة السابقة حول وجود الكثير من المدن الأشباح- لا يزال الطلب الأساسي على المأويات الحضرية ثابتاً، مما يحد من مخاطر هبوط الاقتصاد الكلي، حتى في مواجهته لإخفاق (إفرغراند).

إن أخطر مشاكل الصين تتعلق بدرجة أقل بـ(إفرغراند) وبدرجة أكبر بإعادة التفكير بصورة رئيسة في نموذج النمو الخاص بها، ففي البداية، كنت قلقا بشأن القمع التنظيمي، حيث كتبت في أواخر شهر يوليو أن الإجراءات الجديدة استهدفت شركات منصات الإنترنت في الصين، مهددة بذلك بخنق "الغريزة الحيوانية" في بعض القطاعات الاقتصادية الأكثر ديناميكية، مثل التكنولوجيا المالية وألعاب الفيديو، والموسيقى التي تبث على الإنترنت، ومشاركة ركوب السيارات، والدروس الخصوصية، والوجبات الجاهزة، والتوصيل، وخدمات نمط الحياة.

كان هذا في الماضي، أما الآن، فقد ضاعفت الحكومة الصينية قوتها، حيث ألقى الرئيس، شي جين بينغ، القوة الكاملة لسلطته في حملة "الرخاء المشترك" التي تهدف إلى معالجة عدم المساواة في الدخل والثروة، وفضلا عن ذلك وسَّع نطاق الشبكة التنظيمية، ليس لحظر العملات المشفرة فقط، ولكن أيضًا لتصبح أداة للهندسة الاجتماعية، مع إضافة الحكومة للسجائر الإلكترونية، وشرب الكحول أثناء المناسبات التجارية، وثقافة المعجبين بالمشاهير، إلى قائمتها الطويلة من العادات الاجتماعية السيئة.

كل هذا يزيد حدة المخاوف التي أثرتها قبل شهرين، وإن التوجه المزدوج الجديد للسياسة الصينية الذي يتمثل بإعادة التوزيع وإعادة التنظيم، يشكل ضربة في الصميم "للإصلاح والانفتاح" القائمين على السوق، واللذين عززا معجزة النمو في الصين منذ عهد (دينغ شياو بينغ) في ثمانينيات القرن الماضي. وسيكبح جماح نشاط ريادة الأعمال الذي كان غاية في الأهمية في دعم القطاع الخاص الديناميكي في الصين، وسينتج عن ذلك عواقب دائمة على المرحلة التالية من التنمية الاقتصادية الصينية المدفوعة بالابتكارات، وبدون غرائز حيوانية، فإن مسألة الابتكار المحلي في حالة يرثى لها.

ونظرا لاكتساب (إفرغراند) شهرة في أعقاب هذا التغيير الكبير في السياسة الصينية، كان رد فعل الأسواق المالية عنيفا لأسباب يمكن تقبلها، وسارعت الحكومة لمواجهة هذا الرد العنيف، وسارع نائب رئيس مجلس الدولة (ليو هي)، مهندس الاستراتيجية الاقتصادية الرائد في الصين ومفكر متميز في الاقتصاد الكلي، إلى إعادة التأكيد على دعم الحكومة الثابت للمشاريع الخاصة، كذلك، شدد منظمو أسواق رأس المال على "الانفتاح" الإضافي من خلال مبادرات الاتصال الجديدة بين الأسواق المحلية والأسواق الخارجية، وأعاد المنظمون الآخرون التأكيد على نية الصين الثابتة لمواصلة المسار. ربما يحتجون كثيرا، أليس كذلك؟

بالطبع، من ناحية، من الذي لا يريد الرخاء المشترك؟ إن أجندة "إعادة البناء بصورة أفضل" التي وضعها الرئيس الأميركي، جو بايدن، بميزانية تبلغ 3.5 تريليونات دولار أميركي تتضمن العديد من الأهداف نفسها، فمعالجة عدم المساواة والأجندة الاجتماعية في الوقت نفسه تشكل مشكلة كبيرة لأي بلد، وهي ليست فقط موضوع نقاش حاد في واشنطن، بل تؤثر بصورة حاسمة على آفاق الصين.

وتكمن مشكلة الصين في كون نهجها الجديد يتعارض مع اتجاه العديد من أقوى اتجاهاتها الاقتصادية خلال العقود الأربعة الماضية: نشاط ريادة الأعمال، وثقافة الشركات الناشئة المزدهرة، وديناميكية القطاع الخاص والابتكار. وما أسمعه الآن من الصين هو الإنكار- أي الحجج المفصولة عن بعضها والتي تعالج كل قضية على حدة، فهي تناقش إعادة التوزيع بصورة منفصلة عن تأثير القوانين الجديدة، وهناك أيضاً نهج منعزل للدفاع عن الإجراءات التنظيمية نفسها- حجج كل حالة على حدة لتعزيز الرقابة على شركات منصات الإنترنت، والحد من القلق الاجتماعي بين الشباب المراهقين، وضمان أمن البيانات.

وبصفتي ممارسا في الاقتصاد الكلي، فقد تعلمت دائما أن أفكر في التأثيرات المشتركة للتطورات الرئيسة، فأزمة (إيفرغراند) ستمر، أما الازدهار المشترك فسيستمر، وإن القمع التنظيمي، بالتزامن مع الضغوطات لإعادة توزيع الدخل والثروة، يعيد عرض فيلم المعجزة الصينية، ومن خلال الإخفاق في الربط بين العناصر، قد يرتكب قادة الصين خطأً فادحا في حساباته.

* عضو هيئة التدريس بجامعة ييل، والرئيس السابق لمورغان ستانلي في آسيا،

● بروجيكت سنديكيت - ستيفن س. روتش

back to top