غداة استدعاء سفيرها في باريس احتجاجاً على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقد فيها ما أسماه "تزوير التاريخ من قبل النظام العسكري الحاكم"، أعلن ناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية الكولونيل باسكال إياني، أمس، أن الحكومة الجزائرية حظرت على الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها، علما بأنها تستخدم عادة مجالها الجوي لدخول ومغادرة منطقة الساحل، حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان.

وقال الكولونيل إياني: "لدى تقديم مخططات لرحلتي طائرتين هذا الصباح، علمنا أن الجزائريين سيغلقون المجال الجوي فوق أراضيهم أمام الطائرات العسكرية الفرنسية"، لكنّه أكد أن ذلك "لن يؤثر على العمليات أو المهام الاستخباراتية" التي تقوم بها فرنسا في منطقة الساحل.

Ad

وكانت الجزائر قد أكدت أمس الأول رفضها "أي تدخّل في شؤونها الداخلية"، موضحة أنها استدعت سفيرها في باريس للتشاور، بسبب تصريحات "لا مسؤولة" نسبتها مصادر عدة إلى ماكرون ولم يتم نفيها.

وقالت رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان: "على خلفية التصريحات غير المكذّبة لعديد من المصادر الفرنسية والمنسوبة للرئيس الفرنسي، ترفض الجزائر رفضا قاطعا أي تدخّل في شؤونها الداخلية، وهو ما جاء في تلك التصريحات".

وأضاف البيان "أمام هذه التصريحات اللامسؤولة، قرّر رئيس الجمهورية

عبدالمجيد تبون الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر بفرنسا للتشاور".

وقالت الرئاسة الجزائرية إن "جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى، وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية ضد الإنسانية، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ويجب ألا تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها".

واوضحت أن "هذه التصريحات التي تحمل في طياتها اعتداء غير مقبول لذاكرة (5.63 ملايين) الذين ضحوا بالنفس والنفيس في مقاومتهم البطولية ضد الغزو الاستعماري الفرنسي، وكذا في حرب التحرير المباركة".

وأكدت انها لا تقبل أي تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وأن المساس بشهدائها خط أحمر واعتداء عليها لا يمكن السكوت عنه.

وكان الرئيس الفرنسي قد ذكر ان "الجزائر كان يحكمها نظام سياسي عسكري له تاريخ رسمي لا يقوم على الحقيقة بل على كراهية فرنسا".

وحتى قبل أن تصدر الجزائر بيانها الثاني لتوضيح سبب قرارها، نشرت وسائل الإعلام الجزائرية تصريحات نسبت إلى ماكرون في صحيفة لوموند الفرنسية أمس الأول، معتبرة أنها "مستفزة" و"لاذعة".

وحسب مقال يتعلّق باجتماع عُقد الخميس بين الرئيس الفرنسي وشباب من أحفاد أشخاص شاركوا في حرب استقلال الجزائر (1954 - 1962)، اعتبر الرئيس الفرنسي أن الجزائر قامت بعد استقلالها في 1962 على "إرث من الماضي" حافظ عليه "النظام السياسي العسكري".

وتحدّث ماكرون، حسب الصحيفة، عن "تاريخ رسمي أعيدت كتابته بالكامل (...) ولا يستند إلى حقائق"، بل إلى "خطاب يقوم على كراهية فرنسا".

ورداً على شابة نشأت في العاصمة الجزائرية، أكد ماكرون أنه لا يعتقد أن هناك "كراهية" لفرنسا "في أعماق المجتمع الجزائري، بل في النظام السياسي العسكري الذي قام على هذا الإرث من الماضي".

وأضاف: "من الواضح أن النظام الجزائري مُنهك. الحراك في 2019 أضعفه".

وأكد ماكرون، في هذه التصريحات التي نشرتها "لوموند"، وجود "حوار جيد مع الرئيس (الجزائري عبدالمجيد) تبون"، لكنّه أضاف "أرى أنه عالق في نظام صعب جدا".

وكانت السلطات الجزائرية قد استدعت، الأربعاء، السفير الفرنسي فرانسوا غوييت إلى وزارة الخارجية الجزائرية لإبلاغه بـ "احتجاج رسمي"، بعد قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين الراغبين في السفر إلى فرنسا إلى النصف.

وقال ماكرون، متوجها إلى محاوريه الشباب، إن تقليص منح التأشيرات "لن يكون له أي تأثير" على الطلاب وأوساط الأعمال، موضحا أن الفكرة هي "مضايقة الأشخاص الموجودين في الوسط الحاكم"، الذين "اعتادوا التقدم للحصول على تأشيرات بسهولة".

وخصصت صحيفة الوطن الخاصة صفحتها الأولى أمس لـ "انزلاق ماكرون"، مشيرة إلى أن "الرئيس الفرنسي وجّه انتقادات حادة للقادة الجزائريين".

وفي تصريحات ماكرون فقرة أخرى أثارت اهتمام وسائل الإعلام الأخرى التي اعتبرت أنها موضع خلاف.

وتساءل الرئيس الفرنسي: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال"، مذكّرا بوجود "استعمار سابق" للاستعمار الفرنسي، قبل أن يشير إلى أنه "معجب بقدرة تركيا على محو ذكرى الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها"، في إشارة إلى الامبراطورية العثمانية.

وأثارت التصريحات المنسوبة للرئيس الفرنسي عاصفة أيضا على مواقع التواصل، حيث ربطها كثيرون بالحملة الرئاسية في فرنسا "لسحب البساط من تحت قدمي (إريك) زمّور"، الصحافي الذي يطرح أفكارا أقرب إلى اليمين المتطرف، ويؤكد تصميمه على الترشح للانتخابات.

وهذه المرة الثانية التي تستدعي الجزائر سفيرها لدى باريس منذ مايو 2020، عندما استدعت سفيرها صلاح البديوي على أثر بثّ فيلم وثائقي حول الحراك المناهض للنظام في الجزائر على قناة "فرانس 5" والقناة البرلمانية.

ووصفت "حركة مجتمع السلم" الجزائرية تصريحات ماكرون بأنها "عدائية وتعتبر إهانة للدولة وللشعب الجزائري، وتأتي في سياق الإمعان في ترجمة العقلية الاستعلائية لفرنسا الرسمية".

ودعت إلى "تفعيل قانون منع استعمال اللغة الفرنسية في الوثائق والخطاب والاجتماعات الرسمية، وتحويل الشراكات الاقتصادية الدولية نحو دول غير معادية للجزائر".