في وقت أكدت مصادر مطلعة لـ «الجريدة»، استمرار المجلس الأعلى القضاء في تعيين خريجي كليتي الحقوق والشريعة بوظيفة وكيل نيابة، بعد نجاح تجربة تعيين المرأة في هذا المجال، لاقى قرار الجمعية العمومية للمحكمة الكلية، برئاسة المستشار عبداللطيف الثنيان تكليف 8 قاضيات، من أصل 15 معينات بالمحكمة، برئاسة الدوائر الجزائية فيها، ردود فعل واسعة.وحظي القرار بأهمية كبيرة، إذ سيعهد للقاضيات الثماني، وفق القانون، صلاحيات منفردة بإدارة الجلسات وإصدار الأحكام دون مشاركة من قضاة آخرين، إلى جانب إصدار قرارات تتعلق بضبط الجلسات والنظام قد تصل العقوبة فيها إلى الحجز والحبس.
ويمنح القانون القضاة المنفردين الذين يتولون رئاسة الجلسات في القضايا الجزائية الحق بإصدار قرارات بحبس المتهمين ومنعهم من السفر على ذمة القضية، وأحكام بالحبس مدة لا تتحاوز 3 سنوات، إلى جانب عزل الموظفين وإبعاد الأجانب، وإصدار الغرامات والتدابير وفق ما تقرره أحكام القانون.من جانبه، أكد المستشار الثنيان خلال الجمعية العمومية أن طبيعة العمل تقتضي توزيع كل أعضاء المحكمة الكلية، وهو ما يعني أن الاعتبارات التي اتخذتها الجمعية نظرت إلى مهام كل قاضٍ لا إلى جنسه أو قدرته، فالجميع بنظر المحكمة، طالما أنهم قضاة، قادرون على تحمل المسؤولية، كما أن طبيعة التدرج الوظيفي في العمل القضائي تقتضي تولي القضاة ذكوراً كانوا أو إناثاً رئاسة تلك الدوائر التي تحكم في قضايا الجنح، وبالمستقبل دوائر أخرى أعلى منها.
تقييم
وبينما حظي القرار بإشادة مراقبين، أثار قانونيون مسألة التريث في تولي المرأة مهنة القضاة، وتقييم تجربة من تم تعيينهن أخيراً.وفي هذا الصدد، قال رئيس إدارة الفتوى والتشريع السابق د. عبدالرسول عبدالرضا إن المرأة نجحت في العديد من المجالات القانونية في الدولة ومنها عملها في النيابة العامة، غير أن تجربة تعيينها قاضية يفضل أن تكون في مجالات القضايا التجارية والأسرة، على أن يتم تقييم أدائها خلال مسيرة عملها في السنوات المقبلة.حدث تاريخي
أما رئيس المجلس الاعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز رئيس المحكمة الدستورية السابق المستشار فيصل المرشد، فأكد أن تعيين المرأة الكويتية قاضية تتولى رئاسة الدوائر الجزائية في المحكمة الكلية يعد حدثا تاريخيا، وهو الوضع الطبيعي الذي يمكن حدوثه في القضاء.وأضاف المستشار المرشد لـ«الجريدة» أن «النيابة العامة نجحت في إعدادهن لدخول العمل في المحكمة الكلية، والعمل الى جانب القاضي، وهذا أمر حسن، وكل سنة سيكون لدينا قاضيات في المحكمة الكلية».وذكر أنه قد تتولى القاضيات في المستقبل رئاسة دوائر الأسرة، باعتبار القاضية قريبة من قضايا المرأة، وتفهم طبيعة الطلبات التي تعرض أمام محاكم الأسرة كموضوع الحضانة مثلا.وأوضح أن «الصورة اكتملت الآن بشأن عمل المرأة في كل المجالات السياسية والاجتماعية والقضائية، وأتمنى لها ان تعمل في كل المجالات القضائية، ولا يقتصر عملها على الدوائر الجزائية، شأنها في ذلك شأن الرجل».وأعرب المرشد عن أمله أن تتبوأ المرأة المناصب القضائية، إذ تم تعيينها مؤخرا نائب مدير نيابة، وقد يتم تعيينها في المستقبل رئيس نيابة أو محاميا عاما، وتتولى المناصب الادارية في المحاكم وهو الوضع الطبيعي.الفتوى
بدوره، أكد رئيس ادارة الفتوى والتشريع المستشار صلاح المسعد، ان تكليف القاضيات برئاسة الدوائر القضائية الجزائية خطوة مهمة في عمل المحاكم، وتأتي بعد تدرج عمل المرأة الكويتية في النيابة العامة، ومن ثم القضاء، «ونتمنى ان تحصل على العديد من المناصب والدوائر القضائية بعد أن أثبتت التجربة قدرتها على ذلك».وأوضح المسعد لـ «الجريدة»، ان المرأة الكويتية نجحت في العمل بالعديد من القطاعات القانونية، ومنها ادارة الفتوى والتشريع، لافتا الى أن أهم قطاعات في «الفتوى» يتولى إدارتها مستشارون من السيدات في قطاع القضايا والتشريع والمكتب الفني، فضلا عن تفوق العديد من الكفاءات القانونية داخل الإدارة في العمل.علامة فارقة
من جهتها، قالت المستشارة تهاني الجبالي العضوة السابقة بالمحكمة الدستورية العليا المصرية لـ «الجريدة»: «يثلج صدورنا أي خطوة الى الامام تتعلق بالمرأة العربية»، معتبرة ان «الكويت من أهم معالم التطور الحضاري العربي، ولها دورها المميز الثقافي والتقدمي».وأكدت الجبالي أن «وصول المرأة في الكويت لرئاسة الدوائر القضائية الجزائية هو امر مهم، واستكمال لدورها في اي مجال وخطوة كبيرة وتطور اجتماعي، ودور عظيم للمرأة العربية»، مضيفة «نهنئ أنفسنا والمرأة الكويتية بما تحقق لها في هذا الانجاز الوطني المهم على مستوى دولة الكويت، التي تؤثر على المحيط الخليجي والعربي، لأن لها تأثيرا ثقافيا مهما. وأعتقد ان هذه الخطوة علامة فارقة لتطور المرأة الكويتية والعربية».الكفاءة
وتابعت «أتمنى التوسع في تعيين المرأة في كل الدوائر القضائية، لأن القضاء الحديث هو قضاء مؤسسي، والمرأة حين تتواجد فإن ذلك يعود إلى عنصر الكفاءة، وإزاء توافر عدد من المعايير الموضوعية للأداء الخاص بها، وذلك لأن التصنيف في كل المرافق القضائية يعتمد على جملة من المعايير، ولا مجال للتمييز بين الرجل والمرأة فيها».وأكدت أنه «من المفترض أن نفتح للمرأة الباب لإثبات اجتهادها وقدرتها وكفاءتها العلمية، خصوصا أنها تحصل على شهادات عليا في القانون، وتترأس دوائر قانونية مهمة على المستوى الاقليمي والعالمي، ولا مجال للتشكيك في قدرتها على تولي أي نوع من انواع العمل القضائي، ويجب أن تأخذ فرصتها في رئاسة الدوائر والهيئات بالكفاءة والاقدمية، وفق ما يتم العمل به في كل الدوائر القضائية».الولاية الشرعية
وعن رأيها بموضوع الولاية الشرعية واقتصارها على الذكور قالت الجبالي، إن هناك فهماً غير دقيق في موضوع الولاية، فالولاية الآن للدولة الحديثة والسلطات ومؤسسات الدولة لا للأفراد، وكانت في السابق للأفراد عندما كان القاضي هو المفتي ويقضي بما أفتى به، لكن الآن الدولة العربية فيها السلطة التشريعية، التي تضع القوانين وفيها السلطة التنفيذية، وأيضاً السلطة القضائية، لذلك فالسلطات هي التي لها الولاية، والأفراد هم داخل هذه السلطات يؤدّون دوراً معيناً وفق أحكام الدستور والقانون، وهذا وضع يختلف تماماً عن وضع الولاية التي يتحدثون عنها والتي كانت بصدر الإسلام وفي المراحل الأولى لوظيفة القضاء سابقاً، لكن الآن الدولة الحديثة تقوم على الولاية العامة للسلطات.وأضافت أنه حتى في القضاء نحن لا نميز بين مسلم ومسيحي، أو بين مرأة ورجل في إطار التشريع الذي يطبقه القاضي، بالتالي يتعين مراجعة هذا الرأي بشأن طبيعة الولاية وفق الدولة الحديثة، كما أن فهم فقه الولاية الحديثة هو الذي سيخرجه من إطار الفهم الضعيف إلى الولاية الخاصة بالدولة، وأن الأفراد فيها، ولا يمكن التمييز فيها بين رجل ومرأة وبين المسلم وغير المسلم.مجلس القضاء
أما الأمين العام لاتحاد المحامين العرب المحامي ناصر الكريوين، فقال، إن تدرّج المرأة الكويتية للعمل في النيابة العامة ومن العمل كقاضية هو نتيجة لتقلدها رئاسة الدوائر القضائية الجزائية وغيرها في القضاء.ولفت الكريوين إلى أن المرأة الكويتية أثبتت كفاءتها في العديد من القطاعات القانونية، والآن القضائية، وستكون مشاركتها إلى جانب اخوانها الرجال مثرية في تحقيق العدالة، كما أتمنى أن تتقلد العديد من المناصب في المستقبل، ومنها عضوية مجلس القضاء لتساهم في الإشراف وتطوير منظومة العمل في المحاكم والقضاء مع باقي أعضاء مجلس القضاء، وهو أمر يعتبر طبيعياً إزاء فكرة التدرج الوظيفي في الجهاز القضائي.