العلاقة بين المحامين والهيئات القضائية شابتها حالة من التراجع من حيث التفاهم وتثبيت الطلبات وتلبيتها من قبل بعض الدوائر القضائية، والتي ينظر بعضها إلى تلك الطلبات بعين عدم الجدية أو عدم الأهمية، أو أن غايتها إطالة أمد النزاع أو سعي الدفاع الى تشتيت المحكمة عن نظر النزاع الحقيقي، أو السعي إلى كسب مزيد من الوقت.

ومهما كانت المفاهيم التي تراها بعض الدوائر تجاه طلبات المحامين، تبقى القواعد المنظمة للتقاضي أمام المحاكم أمرا جوهريا يتعيّن التمسك به من قبل المحامين وقبوله وتفهُّمه من قبل الهيئات القضائية.

Ad

كما لا يمكن أن يكون تجاهل طلبات المحامين ودفاعهم أو عدم تلبيتها سببا في اختصار التقاضي أو عبئا إضافيا يراه القاضي فوق الأعباء والمهام الملقاة على عاتقه، وإنما حقا أصيلا مرتبطا بضمانات المحاكمة العادلة التي أولاها الدستور اهتماما بالغا بأحكامه عندما كفل حق التقاضي والمحاكمة العادلة واستقلال القضاء في المواد 34 و163 و166.

ورغم كفالة القانون، وتحديدا المرافعات، للمحكمة أمر تقدير قبول الطلبات التي يقدّمها أطراف الدعوى مباشرة أو عن طريق وكلائهم للمحاكم، فإن ذلك التقدير مشروط بألا يكون على حساب إهدار حق الدفاع للمتقاضين أو ما يتصل بحقيقة النزاع، وهو ما يستدعي من المحاكم النظر بجدوى حقيقة تلك الطلبات وأثرها على مقطع النزاع المتصل بالدعوى والرد عليها بالحكم.

كما أن أمر تثبيت الطلبات الخاصة بالمحامين ودفاعهم يستحق البحث والنقاش، بعد أن أثبت الواقع العملي عدم تثبيت العديد من الطلبات من قبل بعض الهيئات القضائية لكل ما يدوّن من طلبات ودفوع المحامين بمحاضر الجلسات، وهي مسألة ذات أهمية للمحامي لضرورة الرد عليها من قبل المحكمة التي تنظر الدعوى، وكذلك للمحاكم العليا التي ستراقب حكم هذه المحكمة.

وتبقى مسألة أخيرة أتمنى أن ينظر اليها السادة القضاة ورؤساء المحاكم، وهي تمكين المحامين من الترافع وشرح دعاواهم أمام المحاكم كافة، فالأصل في الدفاع هو الشفوي أمام المحاكم، كما أن وظيفة القاضي الأساسية هي الإنصات والاستماع الى شكاوى الناس ومظلوميتهم، بعد أن كشف الواقع العملي رفض بعض السادة القضاة والمستشارين، وحتى مَن هم في المحاكم العليا، سماع تلك الشكاوى شفاهة، والاكتفاء بما هو مكتوب في المذكرات، أو بما يعرضه المحامون في صحفهم المرفوعة.

ولا يمكن القبول بمبررات كثرة الدعاوى أو ارتفاع «رول» القضايا أمام الدوائر للقبول بذلك، لكونها تتصادم مع ضمانات المحاكمة العادلة التي أوجب الدستور ومن بعده القانون ضمانها، كما أن المحاكمة السريعة هي الأخرى غير مقبولة على حساب حق الدفاع وجودة الحكم وسلامته، لكونها ضمانات أولاها القانون اهتماما أكبر من تحقيق المحاكمة العاجلة، والتي يمكن تحقيقها بالأساس إزاء توفير كل الضمانات والحقوق معاً.

حسين العبدالله