الأوروبيون يبحثون عن دور في ظل حرب واشنطن وبكين الباردة
دفعت الأزمة الأفغانية وأزمة الغواصات ومغادرة أنجيلا ميركل المرتقبة لمنصبها، قادة الاتحاد الأوروبي الذين التقوا في سلوفينيا، أمس، إلى رصّ الصفوف، في مواجهة الولايات المتحدة والصين، القوتين العظميين المتنافستين.وفي القمة غير الرسمية المخصصة لتوسيع عضوية الاتحاد في غرب البلقان، اجتمع رؤساء الدول والحكومات الـ27 في قلعة بردو، على مقربة من العاصمة ليوبليانا، حول مأدبة عشاء أمس.ورغم أنه من غير المتوقع اتخاذ أي قرار، إلا أن "هذه المرة الأولى التي يلتقون فيها منذ يونيو، أي منذ وقت طويل جدا" في ضوء اضطرابات الأشهر الأخيرة، وفق قول دبلوماسي رفيع.
وفي رسالته لدعوتهم إلى سلوفينيا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إلى "نقاش استراتيجي حول دور الاتحاد على الساحة الدولية".وقال إن "الاتحاد الأوروبي يجب أن يصبح أكثر هجومية وفعالية"، مشيرا إلى "التطورات الأخيرة في أفغانستان" والإعلان عن الاتفاقية العسكرية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، التي سببت أزمة مع فرنسا، وكذلك "العلاقات مع الصين".ويحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لا يزال مستاء من إنهاء كانبيرا عقدا ضخما لشراء غواصات فرنسية، إقناع شركائه الأوروبيين بتجديد تضامنهم مع باريس وتحرير أنفسهم من الحليف الأميركي.لكن داخل الاتحاد الأوروبي، حضّت دول شمال القارة ودول البلطيق على توخّي الحذر، وشدّدت على المحافظة على العلاقة عبر الأطلسي.ويؤكد الإليزيه أن "الأمر لا يتعلق بدخول الأوروبيين في نقاش فرنسي ـــ أميركي، بل يتعلق باستخلاص الدروس منه وبناء سيادة أوروبية"، وشدد على أنه "سيكون من الخطأ التظاهر بأن شيئا لم يحدث".ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي حرص على تقديم تعهدات بعد هذه الواقعة، الاتحاد الأوروبي بأنه "شريك أساسي"، في محادثة هاتفية الاثنين، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، وفق ما أعلن البيت الأبيض.كما أعرب عن دعمه لانضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي.وجاءت "أزمة الغواصات" بعد أسابيع قليلة من الانسحاب الفوضوي للجيش الأميركي من أفغانستان في أغسطس، ما أحيا النقاش حول تعزيز استقلالية أوروبا. ويجري منذ أشهر نقاش حول إنشاء قوة رد سريع أوروبية قوامها 5 آلاف عسكري، وقد أدى الفشل الذريع الأخير لإعادته إلى الطاولة من خلال تسليط الضوء على أوجه القصور العسكرية لأوروبا، وتقود فرنسا محادثات هذا الملف.ومن بين المواضيع الأخرى، التي نوقشت في "قمة سلوفينيا"، حسب الرئاسة الفرنسية، قضية الهجرة، إذ يريد الاتحاد الأوروبي تجنّب تدفق للاجئين كما حدث عام 2015.وقد تعهد وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، دعم دول المنطقة في استقبال اللاجئين المهدّدين من حركة "طالبان" الأفغانية.وسيكون هذا آخر اجتماعات القمة لميركل، الشخصية المركزية في الاتحاد الأوروبي منذ 15 عاما، مع بدء المفاوضات الشاقة في ألمانيا لتشكيل حكومة جديدة.وفيما يتعلق بالصين، السوق الذي يسيل لعاب الصناعات الألمانية القوية، فقد عملت ميركل من أجل التقرّب منها، لكن اتفاقية الاستثمار التي أبرمت نهاية 2020 بين بروكسل وبكين علّقت إلى أجل غير مسمى وسط توترات بشأن حقوق الإنسان.في غضون ذلك، أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن لقاء مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع المقبل، في واشنطن، لمحاولة حلّ الخلافات في العلاقة مع الولايات المتحدة.وشدد بوريل، في اجتماع البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ أمس، على ضرورة "تعزيز الحوار بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتجنُّب القضايا الإشكالية مثل اتفاقية أوكوس مع أستراليا والمملكة المتحدة". وأضاف أن "الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها، لكن يجب أن يكون لها أساس متين".وأوضح بوريل أنه "بعد أفغانستان، كانت اتفاقية أوكوس رسالة واضحة من الولايات المتحدة بشأن أولوياتها تجاه الصين، وسيتعين علينا التكيف".كما أكد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي أن "الالتزام الذي قطعه الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال حديثه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان مهما جداً، لأن الولايات المتحدة أدركت أهمية وجود دفاع أوروبي قوي وفعال يكمّل حلف شمال الأطلسي".وأوضح أن "نقاشاتنا مع بلينكن ستركز على كيفية بدء حوار حول الدفاع والأمن".وخلص إلى أن "العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دعامة للازدهار والحرية، لكن يجب أن نواصل بناء استقلاليتنا لأن مصالحنا لن تتطابق دائما".