انتخابات العراق: شبح الأحزاب يلاحق المستقلين
كتل سنية تطالب برئاسة الجمهورية
مع انطلاق سباق الانتخابات البرلمانية العراقية المقرّر في 10 الشهر الجاري، تسعى كتل سياسية سُنية إلى إجراء تغييرات في توزيع المناصب الرئيسية، والحصول على منصب رئاسة الجمهورية، في وقت يحوم شبح الأحزاب الكبرى حول المرشحين «المستقلين» في هذه الانتخابات.
بعد مرور عامين على انطلاق احتجاجات شعبية غير مسبوقة شهدها العراق، كان يفترض بالانتخابات التشريعية المقرّرة في 10 أكتوبر الجاري أن تعزز موقع المرشحين غير التقليديين أو «المستقلين»، لكن قد ينتهي المطاف بهؤلاء إلى الالتحاق بالأحزاب التقليدية، التي كان بعضهم جزءاً منها سابقاً.ففي ظل التنافس الحاد بين الأطراف السياسية، لا سيما الكتل البرلمانية الكبيرة داخل البرلمان الحالي، خصوصاً تحالف «سائرون» الذي يمثل التيار الصدري، وتحالف «الفتح» الذي يضم مرشحين عن «الحشد الشعبي»، يسعى الفرقاء السياسيون الى الفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان البالغة 329.وتشكّل هذه الانتخابات، التي كان موعدها الطبيعي عام 2022، واحدةً من التنازلات القليلة التي قدّمتها السلطة للشارع، إثر الموجة الاحتجاجية غير المسبوقة في 2019 التي خرجت ضدّ الفساد وهدر المال العام، وطالب مشاركون فيها بإسقاط النظام كاملاً.
وتجرى الانتخابات وفقاً لقانون انتخابي جديد قائم على نظام دائرة الفرد الواحد، في حين رفع عدد الدوائر إلى 83 وقلّص حجمها بما يزيد من حظوظ مرشحين ذوي شعبية محلية كشيوخ العشائر.ومن بين أكثر من 3240 مرشحاً، قدّم كثر أنفسهم على أنهم «مستقلون»، عبر حملات انطلقت مطلع يوليو. لكن العديد من العراقيين يشككون في تخلّي هؤلاء فعلاً عن انتماءاتهم السياسية الأصلية.ويقول رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري إن «لجوء المرشحين لمصطلح شخصيات مستقلة يهدف الى النأي بأنفسهم عن إخفاقات أحزابهم، وهم يحاولون بذلك تقديم صورة جديدة عنهم غير مسؤولة عن الفساد وسوء الإدارة»، واصفاً التصرف بـ «مناورة سياسية».ويسيطر اليأس والإحباط على العراقيين الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية، التي قوبلت بحملة قمع دامية خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى، مما يعني أن العديد منهم قد يقاطعون الانتخابات، وهي الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003.وسط هذا السياق، وعلى خلفية أزمة اقتصادية حادة، يرجح بعض المراقبين بأن تكون المقاطعة واسعة من الناخبين الذين يقدر عددهم بـ25 مليونا، مما قد يصبّ في صالح الأحزاب السياسية الكبيرة. وتبدو ظاهرة المرشحين «المستقلين» الذين لديهم تبعية حزبية سابقة واسعة الانتشار وتشمل أطرافا وكتلا سياسية مختلفة، مثل التيار الصدري بزعامة رجل الدين النافذ مقتدى الصدر، و«القائمة الوطنية» التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق أياد علاوي، و«تحالف دولة القانون» الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.وتجري العادة قبل وبعد كل انتخابات، أن تخوض الكيانات السياسية مفاوضات متواصلة بهدف تشكيل التحالفات النهائية عند دخول البرلمان، والتي قد تتغير في اللحظة الأخيرة. ولحجم التحالفات السياسية النهائية وتشكيلاتها أهمية تتخطى الفوز، كونها ترسم الشكل النهائي للاعبين الأبرز في تشكيل الحكومة. وبين التيارات الأوفر حظاً للفوز، «التيار الصدري»، صاحب القاعدة الجماهيرية الواسعة، والذي يملك أكبر عدد من مقاعد البرلمان الحالي.ويضاف إليه كذلك «الفتح» الذي يضم مرشحين عن «الحشد»، تحالف الفصائل المسلحة الموالية لإيران، والتي تشكل جزءا من القوات العراقية الرسمية. ودخل هؤلاء البرلمان للمرة الأولى في عام 2018، إثر الانتصار على تنظيم «داعش» الذي شارك فيه «الحشد».وترجح الباحثة لهيب هيغل من «مجموعة الأزمات الدولية» أن «تحتفظ الأحزاب الموالية لإيران بالنسبة نفسها تقريباً من مقاعد البرلمان». في المقابل، تسعى كتل سياسية سُنية، إلى إجراء تغييرات في توزيع المناصب الرئيسية، والحصول على منصب رئاسة الجمهورية، في حين تتمسك الكتل الكردية بهذا الموقع الحسّاس.وجرى عُرف غير مكتوب، منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، على توزيع المناصب، وفق المكونات، ليكون منصب رئاسة الوزراء للمكون الشيعي، والجمهورية للمكون الكردي، ورئاسة البرلمان للسنة.ولا تخفي أحزاب سنية، هذه المرة، رغبتها في الحصول على رئاسة الجمهورية، كنوع من التغيير في الوضع القائم، واختراق «التابوهات» السياسية، رغم أن منصب رئاسة الجمهورية، هو فخريٌ دون صلاحيات واسعة، مثل رئاستي البرلمان والحكومة.ويعد تحالف «تقدم» برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، هو الراعي الرسمي، لهذا المسار، لجملة اعتبارات.وقال قيادي بارز في التحالف إن «رغبتنا في الحصول على منصب رئاسة الجمهورية يأتي لإحداث تغيير وخضة في الوضع السياسي، للخروج من السياقات القديمة، التي تواطأ الجميع عليها في فترة سابقة، مرّ بها العراق، وهي فرصة أولى لكسر كل الاتفاقات السابقة، وإنهاء هذا العرف، وصولاً إلى إمكانية أن يتولى كردي رئاسة الوزراء، وشيعي رئاسة البرلمان، وهذا من حق الجميع».وتسلم العرب السنة، منصب رئاسة الجمهورية، لمرة واحدة فقط، بعد عام 2003، عندما تسلم المنصب، الشيخ غازي عجيل الياور، خلال حكومة أياد علاوي الانتقالية، ليجري اتفاق بين الجميع على تسلم المناصب وفق التقسيم المكوّناتي.وأبدت الأطراف الكردية، رفضها لإجراء أي تحول في المناصب الرئيسية، وأكدت رغبتها بالحفاظ على النسق الحالي، وهو ما ينذر بخلافات قد تكون عميقة، بعد الانتخابات، في حال تمسكت الكتل الكردية والسنية بهذه الرغبة.ولدى الرئيس الحالي برهم صالح، رغبة بالحصول على ولاية ثانية، حيث قال في حوار سابق: «مهمتي الأولى إجراء الانتخابات بسلام، وأتطلع إلى الحصول على ولاية ثانية، فلدي الكثير لأقدمه في هذا المنصب».لكن الانقسامات داخل الأحزاب الكردية، تمثل تحدياً بارزاً أمامها، قد تستغله الكتل السنية، لإبرام صفقة تبادل المناصب.وخلال انتخابات عام 2018، لم يتفق الحزبان الكرديان، «الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني»، على ترشيح شخصية واحدة لهذا المنصب، إذ رشّح «الديموقراطي الكردستاني»، وزير الخارجية الحالي فؤاد حسين، في حين رشح «الاتحاد الوطني» برهم صالح، ليختار مجلس النواب الرئيس صالح.وأثار هذا الخلاف حينها تساؤلات عن طبيعة تمثيل الشعب الكردي، إذا كانت الأحزاب غير متفقة على الشخصية المرشحة، وهو ما يرجح حصوله بعد الانتخابات الحالية، في حال عدم حصول المكون السني على هذا المنصب.