وسط تصاعد للتوترات الجيوسياسية بمنطقة القوقاز، التي تتشابك بها مصالح إيران وأرمينيا وجارتها الشمالية أذربيجان وحليفتها تركيا، ناقش وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان الأزمة بين طهران وباكو في روسيا، التي مازالت تحتفظ بحضور ونفوذ في المنطقة، التي كانت تخضع لسطلة الاتحاد السوفياتي حتى عام 1990. وشدد عبداللهيان، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، على أن طهران "لن تتسامح بكل تأكيد مع أي تغيير جيوسياسي في خريطة القوقاز، ولدينا مخاوف جدية حيال تواجد الإرهابيين والصهاينة في هذه المنطقة".
وقال إنه ناقش مع الجانب الروسي ملف القوقاز، قائلا: "عبّرنا للافروف عن قلقنا من الأوضاع في المنطقة، لاسيما تجاه بعض الإجراءات غير القانونية".وأضاف: "لدينا خيبة أمل من بعض الدول المجاورة لنا"، في إشارة إلى أذربيجان. وتابع: "نود منهم أن يتبعوا سياسة ودية".وجاء موقف طهران، الذي يشير إلى اتهام أنقرة وباكو بجلب متمردين وإرهابيين ومنح موطئ قدم لإسرائيل بهدف شن عمليات تخريبية ضد برنامجها النووي، غداة منعها الطائرات العسكرية الأذربيجانية من العبور باتجاه إقليم جنجوان المتاخم لتركيا، بالتزامن مع قيام السلطات الأذربيجانية بإغلاق مكتب ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي في باكو.وتزامن المنع والإغلاق مع نفي الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وجود "أي قوى أجنبية"، في إشارة إلى إسرائيل، على حدود بلاده المتاخمة لإيران، ورفضه في الوقت نفسه لأي تدخل بشؤون باكو، التي تقيم علاقات جيدة مع إسرائيل وتركيا.كما دعا رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي المسؤولين في جمهورية أذربيجان إلى "التخلص من وهم شراء الأمن من القوات الأجنبية"، داعیاً إیاهم إلی الاعتماد على شعبهم، في اشارة مزدوجة إلى أنقرة وتل أبيب أبرز مزودي باكو بالسلاح.
نفي ومقاربة
ومع إصرار المسؤولين الإيرانيين على اتهام أذربيجان بالسماح للإسرائيليين بالتمركز بحدودها الشمالية، وصف السفير الإسرائيلي في موسكو ألكسندر بن تسفي الحديث عن تواجد بلاده في منطقة كارباخ، التي استعادت باكو أجزاء منها من أرمينيا، خلال حرب استمرت 44 يوما العام الماضي، بأنه "هراء". وقال بن تسفي: "أعتقد أن هذا هراء كبير، لأنه إذا تحدثنا عن منطقة كارباخ، فهناك عسكريون روس وأتراك"، مضيفاً أن لدى الإيرانيين "تخيلات وبوسعهم القول إن هناك تواجدا لكائنات من المريخ أيضا".وأخيراً، صعدت السلطات الإيرانية لهجتها بشأن روابط باكو وإسرائيل، بعد تقارير عن استخدام الأراضي الأذربيجانية كقاعدة خلفية لشن العديد من الهجمات على المنشآت النووية والعلماء الإيرانيين، في حين تواصل الدولة العبرية ضغوطها ومطالبتها لموسكو بالمساهمة في إنهاء ما تصفه بـ"تموضع" إيران في سورية. وتنظر طهران بعين الريبة إلى احتمال قيام روسيا بمقايضة مع الاتراك تسمح لهم بالتمدد في القوقاز والوصول إلى بحر قزوين على حساب إيران، مقابل الحصول على تنازلات لإنهاء الوضع القائم بمحافظة إدلب شمال سورية.في هذه الأثناء، أكد النائب عن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، خليل أوزجان، أن تركيا قد تلعب دور الوسيط بين أذربيجان وإيران، في حال تفاقم الوضع بين البلدين، ووصوله إلى حافة الاشتباك العسكري، مشيراً في ذات الوقت، إلى أن أنقرة تدعم موقف باكو حيال توترها مع طهران.فيينا والسعودية
وبالعودة إلى مؤتمر لافروف وعبداللهيان، جدد وزير خارجية إيران تأكيد بلاده على أنها تضع اللمسات الأخيرة قبل العودة إلى طاولة التفاوض في فيينا قريباً، لمناقشة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكنه لم يحدد موعداً.ولفت إلى أن طهران تنتظر مقترحات من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة، رافائيل غروسي، مشيراً إلى أن السلطات الإيرانية تنتظر تعليق الوكالة وإدانتها للهجوم الإرهابي، الذي طال منشأة كرج.وأفاد بأن طهران تلقت إشارات تفيد بأن الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، "مهتمة من جديد بتنفيذ الاتفاق".وفي تصريحات منفصلة، أكد عبداللهيان أن الجولة السابعة من المفاوضات يجب أن تعود بنتائج "عملية وملموسة"، في حين توقع مسؤول إيراني أن تعقد المحادثات مع القوى الغربية خلال الأيام المقبلة.من جهة ثانية، اعتبر عبداللهيان أن الحوار الإقليمي من شأنه تحقيق الاستقرار بين دول المنطقة، مؤكداً أن بلاده تتواصل مع السعودية لإزالة الخلافات.وأوضح أن المحادثات تسير بشكل بناء، كاشفاً أن بلاده مستعدة لاستئناف العلاقات مع المملكة وتنتظر موقف الرياض.من جانبه، دعا لافروف إلى التوصل لحلٍ لأزمة الاتفاق النووي، مؤكداً أن جميع الأفرقاء الدوليين ملتزمون بتحقيق هذا الهدف. كما أشار إلى رفض روسيا وإيران "إملاءات الغرب".وقال إن موسكو وطهران تؤيدان استئناف مفاوضات فيينا بأسرع وقت ممكن، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي ينتظر عودة الولايات المتحدة إلى عملية التفاوض و"رفع العقوبات غير القانونية" المفروضة على إيران وشركائها التجاريين.وأكد أن الأولوية الرئيسية لبلاده هي إحياء الاتفاق النووي، مشدداً على "ضرورة تنفيذ الاتفاق دون أي مواضيع إضافية".وفي نفس السياق، قال وزير الخارجية الروسي إن موسكو تحث الأصدقاء العرب والإيرانيين على المضي قدما في سبيل التقارب.بلينكن ولافروف
وبرز أمس، قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بتبادل وجهات النظر حول إمكانية إحياء "الاتفاق النووي" الإيراني مع نظيره الروسي قبيل محادثته مع عبداللهيان.وأمس الأول، أبلغ مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان، نظيره الإسرائيلي إيال حولاتا، بأن "الدبلوماسية أفضل سبيل للحد من برنامج إيران النووي"، غير أنه أكد من جديد تحذير الرئيس بايدن لطهران من أن واشنطن قد "تلجأ لخيارات أخرى إذا باءت المفاوضات بالفشل". (موسكو ــ وكالات)