أزمة جديدة تنفجر في وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
زمور يتقدم على لوبن في استطلاعات الرأي
بعد "أزمة الغواصات" مع أميركا وأستراليا وبريطانيا، و"أزمة التأشيرات" مع دول المغرب العربي الثلاث، و"أزمة تصريحات" مع الجزائر، يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يخوض حربا متعددة الجبهات على المسرح الدولي، قبل عام من الانتخابات الرئاسية. فقد اختار الرئيس الشاب مواصلة "سياسة التأزيم" التي يقول مراقبون إن حساباتها انتخابية مئة بالمئة، هذه المرة استفزاز مالي، التي يملك فيها وجوداً عسكرياً، والتي استعانت أخيرا بـمقاتلين من "مجوعة فاغنر" التي يعتقد البعض أنها واجهة لنشاط عسكري لموسكو. وأعلنت وزارة الخارجية المالية أنّها استدعت السفير الفرنسي في باماكو للاحتجاج على "التصريحات غير الودّية والمهينة" لماكرون، وأنها دعت السلطات الفرنسية إلى "ضبط النفس وتجنّب إطلاق أحكام تقييمية".
وكان ماكرون قال أمس الأول: "يجب أن تعود الدولة بقضائها وتعليمها وشرطتها في كلّ مكان، ولا سيّما في مالي"، حيث لا تزال مساحات شاسعة من الأراضي خارج سيطرة القوات الحكومية التي تواجه تمرّداً إرهابياً وتوترات إتنية وعمليات تهريب.وقبل ذلك، هاجم ماكرون بشدة رئيس الوزراء المالي تشوغويل كوكالا مايغا بسبب الاتّهامات "المخزية" التي ساقها ضدّ بلاده من على منبر الأمم المتحدة، وقال فيها إن فرنسا بصدد "التخلّي" عن مالي.وباشرت باريس في يونيو إعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، لا سيّما من خلال مغادرة القواعد في كيدال وتمبكتو وتيساليت الواقعة في أقصى شمال مالي، والتخطيط لتقليص عديد قواتها في المنطقة بحلول 2023 ليتراوح بين 2500 و3 آلاف عنصر، مقابل أكثر من 5 آلاف حالياً.ويأتي التصعيد مع مالي عشية استضافة فرنسا قمّة في غياب رؤساء الدول الإفريقية. ويتوقع أن يحضر نحو 3 آلاف شخص بمن فيهم أكثر من 1000 شاب من القارة، القمة المقررة غداً في مدينة مونبيلييه الجنوبية، بينهم المجتمعات الأهلية الإفريقية والفرنسية والشتات لبحث قضايا اقتصادية وثقافية وسياسية.وفي الواقع استبعد رؤساء الدول الإفريقية للمرة الأولى في تاريخ اجتماعات القمة بين القارة وفرنسا التي تشهد منذ عام 1973 على العلاقات المتقلبة بين إفريقيا والقوة الاستعمارية السابقة.وتم اختيار هذه المجموعة بعد حوارات أجراها لأشهر في القارة المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي المكلف تنظيم القمة.وغداة ضغوط فرنسية على الاتحاد الأوروبي لاعتماد سياسة أكثر تشدداً مع لندن فيما خص أزمة الصيد، اتهم مسؤول بريطاني حكومي لم يذكر اسمه، في تقرير لصحيفة ذا صن، فرنسا بـ "سرقة" 5 ملايين جرعة لقاح أسترازينيكا متجهة إلى المملكة المتحدة، واصفا ذلك بأنه "عمل حربي يمكن أن يؤدي إلى إزهاق الأرواح".إلى ذلك، وقبل نحو نصف عام من الانتخابات الرئاسية، أظهر استطلاع جديد للرأي استقراراً في توقعات التصويت، أما الاستثناء الوحيد، فكان للصحافي والكاتب اليميني المتشدد والمثير للجدل، إريك زمور، الذي قفز من 7 بالمئة في استطلاع شهر سبتمبر، ليصل إلى حدود 15 بالمئة من نوايا التصويت الجديدة، مما تسبّب بالدرجة الأولى في إضعاف زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبن.وحسب فريدريك دابي، مدير المعهد الفرنسي للرأي العام، الذي أجرى الاستطلاع، فإن "المرحلة التي تسبق الحملات الرئاسية تسارعت من خلال ظاهرة زمور، وهي بالفعل ظاهرة وليست بناءً إعلامياً وحسب". وأضاف: "هذا إنجاز غير مسبوق قبل 6 أشهر من التصويت من جانب شخص لا ينتمي إلى الطبقة السياسية، ولا يزال غير مرشح بشكل رسمي".وتسبّب صعود زمور في استطلاعات الرأي إلى إضعاف لوبن وكذلك مرشحي اليمين التقليدي، من خلال استحواذه على 18 بالمئة من الناخبين المحتملين لـ "التجمع الوطني"، و24 بالمئة من ناخبي حزب "الجمهوريون". وهبطت لوبن نحو 6 نقاط في شهر واحد، لتصل إلى ما دون حاجز الـ 20 بالمئة، بينما يحتفظ الرئيس إيمانويل ماكرون بموقعه على رأس قائمة المرشحين مع 24 إلى 27 بالمئة من نوايا التصويت.وعلى يمين المشهد السياسي، لا يزال كزافييه برتران يحافظ على تقدّمه ضد خصومه من قيادات اليمين التقليدي، وبالتالي يبدو أنه الأكثر قدرة على "احتواء زمور". أما بالنسبة إلى اليسار، فإنّ تشرذم المشهد وتوزعه على عدة خيارات تبدو متناقضة، لا يسمح للمرشحين بالاستفادة من أي زخم.