منذ صغري وأنا أسمع كلمة "الفساد" تتردد كثيرا على ألسنة الكبار، كنت أتضجر من رتابة حواراتهم وتكرار المواضيع، فآثرت الجلوس مع الصغار واللعب معهم، عسى أن أخرج من سوداوية عالم البالغين المقيت، وليتني لم أكبر، فحياة الراشدين مزعجة أو ربما أكثر واقعية وأقرب للحقيقة التي لطالما أردنا التملص منها، حيث ستصل بك الحال إلى أن يستعصي عليك الرجوع للوراء أو حتى الحلم، فمعظم ما يحيط بك فاسد! حتى الصغار الذين كنت تتحجج بالجلوس معهم كبروا، ولن يعود هنالك عالم تفر إليه، أو شيء يلهيك عما لا تريد مجابهته سوى واقع علقم. ستعمل في مؤسسات تقتات على الركود والخمول، ستصبح وكأنك تعيش جسداً بلا روح، روتينية بحتة وبيروقراطية مميتة ووظائف تزيدك تخمة وتبرما لا يشبعان فيك شهية الإنجاز والعمل، كل شيء ينذرك بالاستسلام، فالواقع العملي مغاير تماما للعالم الافتراضي الذي درسناه، لا شيء أصلا يشبه مثالية ما كنا نتخيله، فالواقع الحكومي وبالتحديد الوظائف الحكومية تعاني بطئا شديدا في إجراءاتها وغباء إداريا مستفحلا و"يفشل" و"يسوّد الوجه"! فالدورة المستندية تتطلب مئة توقيع وختم وموافقة وتسافر لـمليوني قسم وإدارة حتى يتسلم المراجع ورقته. ما زلت أجهل سبب هذا التخلف السافر! هل يعقل أننا في سنة 2021 ومازالت هنالك جهات تعتمد دفاتر الوارد والصادر؟ هل يعقل أن يكون الربط بين أجهزة بعض الدوائر الحكومية لا تزال بين أيادي مراسلين ومناديب؟ كيف لبعض إدارات الدولة "المهمة" والحساسة أن تعمل في مدرسة حكومية مهترئة؟ لا يمكنني استيعاب الرجعية المتأخرة جداً وكأن ساعة الزمن توقفت في الثمانينيات، وكأن الموظفين أيضا أصابهم نعاس لسنوات، فما لبثوا يعرفون للتمدن سبيلا! فآلية العمل أشبه بـالمثل الهندي الذي يقول: "يضع يده فوق رأسه ليتمكن من حك أنفه". ما الذي يبقي هذه الحال رغم تطور كل شيء؟ هل الهدف هو خلق فساد، لخلق هيئات بتمويل حكومي وميزانية ضخمة حتى تصلح الفساد ذاته؟ يعني بالكويتي "صبه حقنه لبن". أشعر بالخزي كلما قرأت "مانشيتا" عن تطور الدول المجاورة والتقدم الذي يسبقنا بمراحل، أشعر بالحسرة كلما قارنت بين الدول وجهاتها الحكومية التي تعتبر واجهة لأي دولة، ولا تعليق سوى "حسافة على الكويت والله"!
مقالات - اضافات
بيروقراطية الحكومة
08-10-2021