الدولة بحاجة ماسة إلى اكتشاف ثروتها الحقيقية من المواهب لتحقيق رؤيتها المستقبلية وذلك من خلال استقطاب ورعاية وتطوير الموهوبين والمبدعين من أجل زيادة مساهمتهم في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، مما سيدعم تنويع الاقتصاد المحلي واستدامته، فقد أثبت الخبير البارز في مجال الأعمال التجارية الإبداعية جون هوكنز في كتابه (اقتصاد الإبداع)، أن هناك علاقة وثيقة بين الإبداع والاقتصاد، وأظهر أن طول أمد هذه العلاقة، وكيف أن التقائهما واجتماعهما معاً يؤديان إلى تحقيق الثروة الحقيقية.

ويرى هوكنز أن أصحاب الأفكار في عصر الثورة المعلوماتية أصبحوا أكثر نفوذاً ممن يشغّلون الآلات، بل إنهم وفي كثير من الحالات، أكثر نفوذاً ممن يمتلكون الآلات، لهذا فإن العلاقة بين الإبداع والاقتصاد تبقى غير مرئية، لذا جمع جون هوكنز في كتابه جميع هذه المكونات (الإبداع، والملكية الفكرية، والإدارة، ورأس المال، والثروة) ضمن إطار شامل نتج عنه هذا الدليل العملي الذي سماه اقتصاد الإبداع الذي بين فيه كيفية تحويل الإبداع والأفكار اللامعة إلى رأسمال وأرباح والتي تفوق عائداته 2.2 مليار دولار سنوياً، ويوضح لنا القواعد العريضة التي تضمن نجاحه، كتطوير النفس باستمرار للتميز عن الآخرين والحفاظ على الأفكار وحمايتها قانونياً من خلال حقوق النشر وبراءات الاختراع والعمل الفردي والجماعي والتعلم إلى ما لا نهاية والاقتباس وإعادة اختراع الأشياء واستخدامها والاستفادة من الشهرة والمشاهير، ومعرفة متى يجب تجاوز القواعد لأن سبب نجاح أي فرد يتعلق بما يريد وما يجيد فعله.

Ad

ويرى هوكنز أن الجميع مبدعون ولكن كلّ على طريقته، في كيفية فهمنا لأنفسنا وتقديمها إلى العالم وفي كيفية إدراكنا لهذا العالم، ويرى أن ومضات الإبداع لدينا تكوّن شخصيتنا، إلا أن بعض الناس يمضون أبعد من ذلك ويجعلون من خيالاتهم المبتكرة نواة لمسيرتهم المهنية، ليس في ما يخص شخصياتهم فقط، بل من الناحية التجارية أيضاً، أي بطريقة كسبهم لرزقهم وبأرباحهم، لذلك أصبحت هذه النشاطات المتنوعة في عصرنا الحالي يجمعها شيء واحد هو نتاج أفراد يُعملون خيالهم ويستغلون الآخرين، أو بالأحرى يمنعون الآخرين من استغلال قيمته الاقتصادية، وهذا كله بسبب التركيز على الموهبة الفردية وكيفية استعمالها وهذا ما يهدف إليه هوكنز في كتابه.

إننا نرى أن العلاقة بين الإبداع والاقتصاد تبقى غير مرئية بالنسبة إلى غير المبدعين لأننا نؤمن بأن اكتشاف الموهبة تتطلب موهبة، فالكفاءات ومكتشفي المواهب يدركون أن المبدعين هم ثروتنا الحقيقية ورأس المال البشري ويؤمنون بأنهم ركائز التنمية المستدامة، ومن أهم عوامل الإنتاج والتنوع الاقتصادي، وبالرغم من أن كل ما جاء في كتاب هوكنز عن الإبداع وتنمية الموهبة الفردية تنطبق عليهم فإنهم لم يُمَكنوا إلى الآن من المناصب القيادية، ولا تتم استشارتهم عند وضع الخطط واتخاذ القرارات ولا حتى الاستفادة من إبداعاتهم في تطوير مناهج التعليم والبرامج الدراسية وفي تحسين بيئة الأعمال والدورة المستندية في مؤسسات الدولة.

فالمخترعون والمبدعون أساس الصناعة في أي بلد، ويمثلون ثروة لا تقدر بثمن، فهم يكتشفون أداة أو آلة أو يبتكرون فكرة تسهم في تسهيل المهام وتحسين بيئة العمل وتطويرها، ولعل اكتشاف الكهرباء والكمبيوتر والهواتف الذكية خير دليل على مدى مساهمة المخترعين في التأثير الإيجابي على نمط حياة الشعوب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فبمجرد أن يتم اختراع جهاز أو آلة ويتم تبنيها من إحدى الشركات أو المصانع يكون العائد كبيرا على الدولة بسبب ما يدره هذا الاختراع من فرص عمل وعوائد ضريبية كبيرة على اقتصاد الدولة.

إن الدعم المستمر الذي توفره مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لمركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع ليقوم بدوره الحيوي في اكتشاف ورعاية المواهب والمخترعين، وتمكينهم من تحويل اختراعاتهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم إلى منتجات وخدمات ربحية رأسمالية، تُعد مساهمة فعالة في اتجاه تطوير مخرجات التعليم وتنويع مصادر الدخل ودفع عجلة التنمية الشاملة.

د. عبدالعزيز إبراهيم التركي