بعد ساعات من سلسلة ضربات إسرائيلية جوية استهدفت نقاط تواجد إيراني عسكري في وسط وشرق سورية، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان زيارة لدمشق هي الثانية له خلال 40 يوما، في إطار جولة تشمل عددا من العواصم.

وجاءت زيارة عبداللهيان بعد إجراءات الانفتاح التي اتخذها الأردن تجاه دمشق، ولقاءات عربية لافتة لوزير الخارجية السوري في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، وبعد الإعفاء الذي حصل عليه لبنان من «قانون قيصر» لتمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية إليه عبر سورية. كما جاءت بعد قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، وتطرقهما الى الأوضاع في محافظة إدلب الشمالية الغربية السورية، التي لا تزال تضم جيوبا معارضة، وما اسماه الجانب التركي «الحل النهائي» للأزمة المستمرة منذ 2011 وسط تجاهل لإيران.

Ad

وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان، إن «الأسد استقبل عبداللهيان، وتم خلال اللقاء التأكيد على تعزيز وتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تبادلا وجهات النظر حول التطورات في أفغانستان واليمن والعراق وسورية».

وأكد الأسد أن «سورية تتفاعل مع اللجنة الدستورية في إطار المصالح الوطنية لسورية، وليس بالتدخل وفرض وجهات نظر خارجية»، مشددا على «ضرورة إنهاء الاحتلال في إدلب وعودة جميع الأراضي المحتلة إلى سورية».

عبداللهيان

من ناحيته، ذكر عبداللهيان لدى وصوله إلى دمشق، في ثاني زيارة له منذ توليه منصبه في أغسطس الماضي، أن بلاده ستبقى إلى جانب دمشق، موضحا أنه جاء لاستكمال المشاورات مع المسؤولين السوريين.

ووصف المسؤول الإيراني علاقات إيران مع سورية بأنها «استراتيجية»، مضيفا: «نعمل على تطوير التعاون في كل المجالات، سورية في طريق التقدم والازدهار، وسنقف إلى جانبها كما وقفنا معها خلال الحرب الإرهابية».

من جهته، قال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، خلال استقباله نظيره الإيراني، «سورية تدعم إيران وتدين الممارسات الأميركية ضدها».

«كعكة الإعمار»

وتحتل قضية تعزيز التبادل التجاري ونصيب الشركات الإيرانية من «كعكة إعادة الإعمار» الجانب الأبرز في مباحثات عبداللهيان، في ظل ارتفاع أصوات إيرانية داخلية مطالبة بضرورة استعادة الأموال التي أنفقتها طهران لدعم الحكومة السورية، بوجه المعارضة المسلحة والجماعات المتشددة منذ اندلاع الصراع المسلح في 2011 والمقدرة بنحو 30 مليار دولار. وإضافة إلى ذلك يناقش عبداللهيان مستقبل تواجد بلاده العسكري في سورية التي وصلها بعد أن أجرى مباحثات في موسكو وبيروت.

وبحث المسؤول الإيراني مع المسؤولين الروس التطورات في المنطقة، لاسيما الوضع في أفغانستان والقوقاز، إضافة إلى الاتفاق النووي، واستئناف مفاوضات فيينا مع القوى الكبرى في أقرب وقت ممكن، للعودة بشكل كامل إلى الاتفاق المبرم عام 2015.

ضربات ورسالة

وقبل وصول المسؤول الإيراني، ذكرت السلطات السورية، مساء أمس الأول، أن الدفاعات الجوية تصدت لـ«عدوان إسرائيلي» استهدف مطار «التيفور» في حمص وسط البلاد، وأسفر عن إصابات وخسائر مادية.

ونقلت وكالة أنباء «سانا» عن مصدر عسكري قوله إن «العدو الإسرائيلي نفذ مساء اليوم عدوانا جويا من اتجاه منطقة التنف العسكري برشقات من الصواريخ باتجاه مطار التيفور العسكري». وأضاف المصدر: «صدت وسائط دفاعنا الجوي صواريخ العدوان وأسقطت معظمها»، موضحا أن «العدوان أدى إلى إصابة ستة جنود بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية».وتتعرض مناطق سيطرة الحكومة السورية، منذ سنوات، لقصف إسرائيلي من حين إلى آخر، يستهدف مواقع لقواتها، وقواعد عسكرية تابعة لإيران والمجموعات المسلحة التابعة لها. ويعد «التيفور» واحدا من أهم المطارات العسكرية الحكومية، ويضم مستودعات لطائرات مسيرة «درون» إيرانية، وجاء الهجوم على المطار بحمص بعد ساعات من ضربات جوية شنتها «مسيرات» مجهولة على مواقع للميليشيات الموالية لطهران شرق سورية.

وحملت الضربات الإسرائيلية، التي لا تقر بها الدولة العبرية علنا، رسالة ضمنية إلى المسؤول الإيراني الذي شنت بلاده حملة اتهامات وتهديدات ضد جارتها الشمالية أذربيجان، واتهمتها بمنح الإسرائيليين منصة بالقوقاز لمهاجمتها، بهدف تخريب برنامجها النووي.

من جهة أخرى، يعد حضور عبداللهيان اللافت إلى سورية مؤشرا على تحركات إيرانية حثيثة لمواجهة توقعات بأن يتسبب مسار التطبيع الإقليمي، الذي يضم الأردن ومصر والإمارات وغيرهم، مع دمشق في الخصم من نفوذها بالبلد العربي.

ويأتي ذلك في وقت يرجح متابعون أن تقبل دول العالم بشكل تدريجي عودة الرئيس الأسد إلى المجتمع الدولي بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة و»إرهاق الأسرة الدولية» وعدم امتلاكها خطة بشأن إجراء ملموس لحل الأزمة المتواصلة.

وأمس الأول، سمح الرئيس السوري بشار الأسد لعمه رفعت الأسد، 84 عاما، المنفي منذ عام 1984 بالعودة إلى البلاد، في خطوة رأى البعض أنها تحمل ملامح باتجاه إطلاق مصالحة وطنية. وذكرت تقارير أن رفعت، الذي كان يعارض شقيقه حافظ الأسد، والد بشار، وصل إلى دمشق؛ منعاً لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي ضده، وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا. وكشف فراس، نجل رفعت، أن الأمر تم بـ»صفقة» بين الاستخبارات الفرنسية والروسية والسورية.

وأدين رفعت، الذي كان يشغل نائب الرئيس السوري، بتهمة «غسل الأموال ضمن عصابة منظمة، واختلاس أموال سورية عامة، والتهرب الضريبي» بين 1996 و2016.