«مجزرة الهزارة» تُشكك في قدرة «طالبان» على الحكم
الحركة تطالب بتحرير الأموال... وواشنطن تتبرع بـ «اللقاحات» في أول مفاوضات بعد الانسحاب
مع تصاعد هجمات «داعش» لتصل إلى الذروة بالهجوم الذي استهدف، أمس الأول، أقلية الهزارة الشيعية، تجد «طالبان» نفسها في موقع معاكس لما كانت عليه قبل سنوات قليلة، عندما كانت تشنّ الهجمات الانتحارية على المدن، والسلطات الحاكمة عاجزة عن وقفها.
في مقبرة كبيرة بمنطقة قندوز شمال شرق أفغانستان، شيّع عدد كبير من الأفغان، أمس، جنازة ضحايا التفجير الانتحاري الذي استهدف، أمس الأول، مسجداً لأقلية الهزارة الشيعية في قندوز، وأودى بحياة 62 شخصاً على الأقل.وأثار الهجوم شكوكا حول قدرة «طالبان» على ضبط الأمن مع تصاعد هجمات تنظيم داعش (ولاية خراسان)، في حين تجدّد الحديث عن تاريخ تعامُل الحركة مع الأقليات في البلاد، ومدى جديّتها وقدرتها على حمايتهم.ووضع الهجوم، الذي دانته أمس كل من أميركا والاتحاد الأوروبي والإمارات ومصر والأزهر الشريف، وتبنّاه تنظيم داعش (ولاية خراسان)، قدرة الحركة على فرض سيطرتها على البلاد موضع شكوك، إذ يرى مدير مركز الدراسات والبحوث في أفغانستان، وحيدالله غازي خيل، أن «طالبان غير قادرة على حماية الأقليات، لعدم امتلاكها جهاز استخبارات، كما أنها تواجه معارضة نشيطة».
ويعد هجوم قندوز الأعنف منذ مغادرة القوات الأميركية، وجاء بعد 5 أيام من تفجير مسجد في كابول أسفر عن مقتل 5 أشخاص على الأقل، وتبنى «داعش» مسؤوليته عنه أيضا.ويقول غازي خيل إن «طالبان شكّلت حكومة، وهي تسعى لحماية جميع الأفغان، لكنّها غير قادرة حتى على حماية جنودها الذين يتعرّضون للهجمات يوميا في المقاطعات الشرقية».وصعّد «داعش - ولاية خراسان»، وهو فرع محلي للتنظيم الإرهابي، هجماته في أفغانستان بعد سيطرة «طالبان» على البلاد في أغسطس.ودانت الحركة المتطرّفة هجوم قندوز، وسط محاولتها إقناع الأفغان بأنها أعادت الأمن للبلاد. وفي وقت قال رئيس الأجهزة الأمنية لـ «طالبان» في قندوز، دوست محمد، خلال مؤتمرٍ صحافي أمس، إن «أولئك الذين ارتكبوا هذا العمل يريدون زرع الفتنة بين السنّة والشيعة»، مشدّداً على «أننا نؤكد لإخوتنا الشيعة أننا سنضمن سلامتهم، وأن مثل هذه الهجمات لن تتكرر»، أعلن الناطق باسم حكومة «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، أن السلطات تدين التفجير، وتوّعدت بمعاقبة المسؤولين.ويشكّل الشيعة نحو 20 بالمئة من السكان الأفغان، والكثير منهم من الهزارة، وهي مجموعة إتنية تعرّضت لاضطهاد شديد لعقود.
الصين والإيغور
وتبنى «داعش - ولاية خراسان» الاعتداء، موضحا أن الانتحاري هو محمد الأيغوري، مما يدل على انتمائه إلى الأقلية المسلمة الصينية الذين يعشيون في إقليم شينغيانغ المتاخم للشريط الحدودي الضيق بين أفغانستان والصين، والتي انضم بعض أفرادها إلى التنظيم الإرهابي. ويسلّط هجوم قندوز الضوء على هذه الأقلية وعلى قدرة «طالبان» على الإيفاء بتعهدادتها التي قطعتها لدول الجوار.انقسامات في إيران
كما فاقم الهجوم الانقسامات في الداخل الإيراني حول كيفية التعامل مع «طابان».فقد اعتبر الرئيس إبراهيم رئيسي، أمس، أن تفجير المسجد في قندوز، «جريمة تهدف لإيجاد التفرقة بين المسلمين، وهوية الفاعلين وأعمالهم ضد البشرية والدين واضحة للجميع». وأضاف: «لا يخفى على أحد أن نمو هذه الحركة الإرهابية التكفيرية يأتي في ظل الدعم الأميركي والظروف التي هيأتها واشنطن في أفغانستان لتوسعة نشاط مجرمي داعش»، معربا عن قلقه من أن هذه الأعمال هي «جزء من المشروع الأمني الجديد للولايات المتحدة في أفغانستان».في المقابل، كان لافتاً عودة الرئيس السابق حسن روحاني الى التغريد على «تويتر»، محملاً «طالبان» المسؤولية. وكتب: «ما حصل جريمة قتل وحشية لا يمكن السكوت عنها». وأضاف أن «الإرهابيين الذين يخفون أنفسهم خلف الشعارات المتشددة، لا يرتكبون الجرائم بحق الأرواح البشرية فحسب، وإنما يشوهون الوجه الرحماني للإسلام». وتابع: «في الظروف الراهنة، حيث تسيطر طالبان على الحكم، فإن مسؤولية المحافظة على أرواح الأفغان، تقع على عاتقها».كما ندّد الناطق باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زادة، بهجوم قندوز، معتبراً أن «الأعمال الإرهابية مستنكرة بأي شكل من الأشكال ومن قِبل أي جهة». وهناك انقسام في إيران بين طرف يؤيد الانفتاح على «طالبان»، خصوصاً أن طهران أبقت خيوط اتصال قوية مع الحركة، وأوت بعض قادتها في أعقاب الغزو الأميركي، وبين قسم آخر يعتبر أنه يجب التزام الحذر الشديد مع الحركة.أول محادثات
يأتي ذلك، فيما عقدت الولايات المتحدة، أمس، محادثات مع «طالبان»، هي الأولى منذ انسحابها من أفغانستان.وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن وفدا أميركيا يضم مسؤولين في وزارة الخارجية والاستخبارات ووكالة التنمية الدولية الأميركية، التقى ممثلي «طالبان» امس، في الدوحة، مشيراً إلى أن اللقاء سيتواصل اليوم.وأضاف: «سنضغط لتحترم طالبان حقوق جميع الأفغان بمن فيهم النساء والفتيات وتشكل حكومة شاملة تتمتع بدعم واسع».وشددت وزارة الخارجية على أن الاجتماع في الدوحة لا يعني بأي حال من الأحوال أن الولايات المتحدة تعترف بنظام «طالبان». من ناحيته، قال وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة، أمير خان متقي، إن وفد بلاده بحث مع الوفد الأميركي فتح صفحة جديدة بين كابول وواشنطن.وأضاف متقي أنه تم التركيز أثناء الاجتماع على المساعدات الإنسانية وتطبيق اتفاق الدوحة للسلام المبرم مطلع عام 2020، مشيرا إلى أن وفد بلاده طالب الجانب الأميركي باحترام سيادة أجواء أفغانستان وعدم التدخل في شؤونها.وتابع أن وفد الحركة طالب الجانب الأميركي أيضاً برفع التجميد عن أموال البنك المركزي الأفغاني المجمدة في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن «واشنطن ستقدم لقاحات مضادة لفيروس كورونا إلى الشعب الأفغاني».ومن المقرر أن يجتمع الوفد الأفغاني أيضا بممثلي الاتحاد الأوروبي في العاصمة القطرية.
الهجوم سلّط الضوء على «الإيغور»... ورئيسي يتهم أميركا... وروحاني يحمّل الحركة المسؤولية