وجهة نظر : إقالة مسؤولي «القوى العاملة» مستحقة
بعد أن أُسدل الستار تقريباً على مصير القرار القراقوشي الذي أصدرته هيئة القوى العاملة قبل سنة تقريباً بمنع تجديد إقامات من بلغ الستين عاماً من غير حملة الشهادات الجامعية، والذي تم اقتراح تعديله لاحقاً بفرض رسوم غير منطقية مقابل تجديد الإقامة، فإن هذا الحدث يجب ألا يمر مرور الكرام؛ لأنه لا يكشف عن حجم الخلل في تفكير بعض مسؤولي الدولة فقط، بل عن اختلالات أخرى يجب معالجتها جذرياً حتى نضمن عدم حدوث تضارب في القرار، والذي بان بشكل واضح في هذا الموضوع.فإذا أتينا للقرار نفسه، فلم يُعرَف لماذا قررت الهيئة تحديد سن الستين بالذات؟ فهل هناك إحصائيات تبين أن هناك زيادة في الأمراض التي يصاب بها المقيمون بعد هذه السن؟ وإذا كان الهدف تعديل التركيبة السكانية، أليس من الأولى عدم تجديد إقامات حملة الشهادات الجامعية لأن أغلب المواطنين الباحثين عن وظائف هم جامعيون بينما أغلب المقيمين ممن لا يحملون شهادات جامعية يعملون في وظائف لا يريدها المواطنون؟! وقد رأينا أثر ذلك في ارتفاع أجور العمالة نتيجة نقصها الحاد، وكأن وباء كورونا لكم يكن كافياً للتسبب في شح العمالة وزيادة الأسعار. كما لم يأخذ القرار في الاعتبار أن هناك من ولد وعاش في الكويت طوال عمره وله عائلة وأقارب في البلد، وما للقرار من آثار اجتماعية سيئة نتيجة تشتت وتفكيك العائلات!وحتى عندما تم اقتراح فرض رسوم خيالية مقابل تجديد الإقامة، مما يعد ترقيعاً ويعبر عن عناد وعدم اعتراف بالخطأ، لم تبين الهيئة لماذا لا تفرض الرسوم أيضاً على حاملي الشهادات الجامعية! فهل الأمراض مقتصرة فقط على المقيمين ممن لا يحملون شهادات جامعية؟! وحتى لو أردنا فرض تأمين صحي على المقيمين في هذه السن، فلماذا لا يفرض تأمين على جميع المقيمين من أجل تخفيض تكاليف التأمين نفسها؟ ففكرة التأمين مبنية على تأمين الجميع من أجل تخفيض المخاطرة، لكن عندما يتم تحديد التأمين على فئة كبار السن فقط الذين تزداد مخاطر إصابتهم بالأمراض، فمن الطبيعي أن ترتفع تكاليف التأمين.
هذه مجرد أمثلة على حجم الخلل الواضح في تفكير مسؤولي الهيئة وعدم إلمامهم بأبجديات الآثار الاقتصادية والاجتماعية لمثل قرارهم الأخرق هذا. والمصيبة أن مجلس الوزراء لا يزال يوكل لنفس الهيئة مهام أخرى لتعديل سوق العمل، آخرها تكليفها بتوفير 100 ألف وظيفة للمواطنين في القطاع الخاص خلال السنوات الأربع القادمة! فهل من أصدر مثل قرار الـستين الفاشل قادر على القيام بمثل هذه المهمة الجسيمة؟! لكن الخلل الآخر الذي بينه هذا القرار هو تضارب القرار نفسه في الحكومة. فحسب معلوماتي أن وزير التجارة لم يكن راضياً عن هذا القرار، وحتى الحكومة لم تكن راضية عنه. إذاً من يحكم الدولة؟ هل مجلس الوزراء مهيمن على الهيئة أم أن الهيئة هي المهيمنة على مجلس الوزراء؟! ثم لماذا يجبر وزير التجارة - أو أي وزير- على التعامل مع مسؤولين هو غير مقتنع بهم، خصوصاً إن كانوا قد أتوا بالواسطة في السنوات السابقة؟ ولماذا يضطر الوزير لسحب صلاحية مدير هيئة القوى العاملة بدلاً من إعطائه صلاحية إقالته وتعيين من هو أكفأ منه؟ وكيف نريد أن نحاسب أي وزير إن لم يكن باستطاعته التخلص من بعض المسؤولين الفاشلين في وزارته؟! إن هذا الخلل الكبير يتطلب تعديلاً تشريعياً تنتهي بموجبه مراسيم تعيين جميع الوكلاء ومجالس إدارات الهيئات ومديريها في حال تغير الوزير المشرف على كل هذه المناصب، حتى يستطيع الوزير الجديد اتخاذ قرار التجديد لهم أو تعيين غيرهم ممن يثق بهم حسب قناعته. وهذا هو حال جميع الحكومات في الدول المتقدمة، فما إن تأتي حكومة جديدة حتى تتم تغييرات واسعة في المناصب الرئيسية في الوزرات المؤسسات الخاضعة لها. هذا طبعاً ليس بحل سحري في بلدنا، فكثير من الوزراء على مر السنوات الماضية كانوا سيئين، لكن هذا التعديل يعطي فرصة على الأقل للوزراء المصلحين -مع قلة عددهم- لإنجاز شيء ما على الأقل. أما إن كنا نريد إصلاحاً جذرياً، وحكومة كفؤة، يجب إعادة بناء مؤسسات الدولة من الصفر والتخلص من عشرات آلاف البطالة المقنعة فيها حتى يتم ترشيق الحكومة مع محاسبة فعلية على الأداء، وللحديث بقية.