مرافعة: صناعة التشريع وتسابق النواب!

نشر في 12-10-2021
آخر تحديث 12-10-2021 | 00:30
 حسين العبدالله التشريع صنعة يتعين على من يتولى أمرها أن يكون ملما بالقواعد العامة للقانون وخصائصها وتوافر الأركان اللازمة بشأنها فقها وقضاء، فضلا عن عدم تعارضها للمبادئ والقواعد الدستورية أو القواعد الدولية التي تتضمن التزاما دوليا بشأنها.

وصنعة التشريع تعتمد على منهجين يتعين الإلمام بهما؛ الأول منهج شكلي يعتمد على المراجعة للتشريع المراد تعديله ومدى ارتباطه بأي تشريعات أخرى وعلى سلامة الصياغة وبيان وضوحها ومقاصد التشريع للوصول إلى سلامة التعديل من الناحية الشكلية.

بينما الأمر الثاني الذي يتعين الالتزام به عند التعديل، وهو منهج موضوعي ينطلق من فكرة الحاجة للتعديل وعدم تعارضه لأحكام الدستور والتشريعات الأخرى وللاتفاقيات الدولية على الدولة مصدرة التشريع، وذلك لتجنب الوقوع في المحاذير الدستورية أو التشريعية أو الدولية.

ولذلك فإن التشريع عمل فني مركب تحكمه منهجية يلزم اتباعها فيمن يتولى أمرها متبعا في ذلك الطرق الفنية والمنهجية عند بحثها ودراستها وبيان مدى توافقها مع أحكام الدستور والتشريعات الأخرى حال ارتباطها، ودوليا إن كان لها أثر باتفاقيات أو معاهدات ولا بأس في الاطلاع على القوانين والتجارب المقارنة للوصول إلى الحد الأدنى من جودة التشريع.

ومن دون تحقق تلك القيود فإن التشريع بالتأكيد سيكون وبالا وعبئا على الدولة والمجتمع بأسره إزاء ما شابه من عيوب ومثالب من شأنها أن تجهز عليه في مهده وتجعل منه والعدم سواء، وهو حال التعديل الأخير على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بشأن عدم إصدار قرارات الحبس في قضايا الرأي دون أن يسمي المشرع ما هي جرائم الرأي أولا حتى يمتنع القائمون على القانون عن عدم إصدار قرارات الحبس بشأنها.

ومن بين الاقتراحات بقانون المعيبة دستوريا وقانونيا هو ما قدمه بعض السادة النواب الأفاضل بشأن تجريم من يروج للشواذ جنسيا أو ما يمكن تسميتهم اليوم بالمثليين، بعد أن انتشرت أعلام وإشارات بعض المنتمين لتلك الفئة في بعض الدول التي تكفل حقوقها وفق ما تراه تلك الدول.

وقد جاء بالاقتراح بقانون بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة التي لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز الثلاثة آلاف لكل من قام بأحد الأفعال أو التصرفات التالية، أولها رفع علم أو شعار أو أية إشارة ترمز إلى فئة الشواذ جنسياً، وثانيها الترويج بأية وسيلة كانت لأفكار ومعتقدات فئة الشواذ جنسيا، وثالثها الدعوة والتحريض على تكوين جماعة تتبنى أفكار ومعتقدات الشواذ جنسيا، ورابعها ارتداء ملابس عليها شعارات أو رموز أو علامات ترمز إلى الشواذ جنسياً.

وبالنظر إلى محتوى الاقتراح فهو لا يبتعد عن العديد من التشريعات المعيبة بسبب دوافعها ومقاصدها، كتشريعات تجريم البلوتوث والتشبه بالنساء، بسبب عدم تعريفها الفعل المجرم على نحو واضح وجلي، كتعريف التشبه كسلوك مادي، وتعريف الشذوذ الجنسي، وتعريف عقيدة ذلك المتشبه وأفكاره.

ثم يتعين بيان الأفعال المخالفة من خلال حظر النشاط الخاص بالجريمة على نحو يحدد مقاصد التشريع، لا ترك الحال إلى القاضي الجزائي يقدر ما يشاء من تعريف ومن نشاط وفق أفكاره الخاصة، وإنما يتعين تحديد ذلك في التشريع صراحة ليكون القاضي ملزما بالرجوع إليه، فالقاضي ليس مشرعا أو متكهنا لمقاصد التشريع، بل محكوم بنصوص وضوابط معينة فيه، وتخضع أعماله إن تجاوز ذلك لرقابة المحاكم العليا.

وحتى لا يكون التشريع تسابقا بين بعض النواب أو اندفاعا لمعتقداتهم الخاصة على حساب صنعة التشريع يتعين على المجلس أن يولي هذا الأمر اهتماما بالغا، حتى لا يتأذى المخاطبون بأحكام القانون من غموض النصوص وتعارضها مع أحكام الدستور والاتفاقيات، ويكونوا ضحية لغياب صنعة التشريع!

حسين العبدالله

back to top