السياحة والــ 10 مليارات دولار!
مع تزايد الحديث الرسمي عن ضرورة تنوع مصادر الدخل، خصوصاً مع تنامي الخطر الاقتصادي المحدق، زاد مؤخراً استهلاك كلمة "السياحة"، ولكن خارج الإطار الصحيح لها، فالسياحة ذات لغة خاصة تستند إلى الأرقام لا الأحلام، فهي أحد أعمدة الاقتصاد العالمي بمدخول سنوي يتجاوز 2.9 تريليون دولار (والتريليون ألف مليار!)، تتنافس عليه الدول بشراسة وذكاء، تتصدر كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا القائمة العالمية للسياحة العالمية بما يتجاوز الـ237 مليون سائح سنوياً، بما يتجاوز تعداد تلك الدول مجتمعة.الشأن السياحي في الكويت متشظٍّ بين قطاعات حكومية قائمة، وأخرى قادمة بحسب التصريحات، مشروعات، جزر، هيئات سياحية وهلمَّ جرًّا وكرًّا وفرًّا، والمحصلة النهائية المصاحبة لكل ذلك الإنفاق تذيلنا لترتيب السياحة، حتى بالمقارنة مع دول الخليج وبفارق شاسع، فحصتنا السوقية لا تصل حتى إلى 1% من السائحين إلى الخليج سنوياً، البالغ عددهم 58 مليوناً (1)، بمجموع 370.000 سائح في أحسن الأحوال بحسب التقديرات، علماً بأننا الدولة الوحيدة في الخليج، التي لا توجد بها جهة رسمية تُعلن عن أرقام السيّاح بشفافية ومصداقية، بالرغم من كثرة الجهات المعنية بالإحصاءات! كم عدد الذين جاؤوا فعلاً بغرض السياحة لا التجارة؟ ما الذي جذبهم ومن أين أتوا؟ كم مكثوا وأنفقوا؟ ما هي انطباعاتهم؟ وغيرها من المعلومات الثمينة التي تُعتبر عصب هذه التجارة، إن رغبنا فيها حقًّا مثل الأشقاء الخليجيين غير المكتفين بأرقامهم الحالية والساعين لمضاعفتها بمشاريع كانت قبل بضع سنوات أشبه بالمعجزات، منها الإكسبو وكأس العالم والمشاريع السياحية الهائلة للمملكة وغيرها، والتي تستهدف عشرات الملايين من السيّاح الإضافيين، هل نعلم بأننا بتفريطنا بهذا المورد نهدر ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (2) بالإمكان ضخها سنوياً في الاقتصاد الكويتي، لو استعدنا حصة سوقية تبلغ 10% من السوّاح القادمين إلى الخليج، وهي نسبة متواضعة تقل عن نصف ما تستقطبه البحرين من السائحين.يكتفي البعض بمخدر جاذبية الكويت للسياح الخليجيين، علماً بأن تعدادهم لا يتجاوز 002% من العالم، لذا فهو أشبه بالحديث عن السياحة الداخلية، في حين أن الآخرين يحتاجون إلى استخراج فيزا لدخول الكويت بما يرافقها من قيود تختلف باختلاف جنس الزائر أو جنسيته أو وظيفته أو حالته الاجتماعية، بخوض معيب في النوايا بعض الأحيان! وهنا يتوجب علينا أن نسأل سؤالاً صريحاً، لم لا تعلن الدولة صراحةً وبشكل دوري عن عدد الطلبات الشهرية، التي تتلقاها الكويت لزيارتها؟ وما هي نسب المنح والمنع؟ وما هي الأسباب؟ وهل تدرك الكويت أنها تسير عكس تيار الانفتاح، الذي باتت تنتهجه حتى أكثر الدول محافظةً، حرصاً على اقتصادها؟ هل تدرك الحكومة المتخمة بقرابة نصف مليون موظف كويتي مدى الأضرار التي تخلفها تلك العقلية على القطاع الخاص، الذي تحلم الحكومة بأن يقوم بتوظيف 100.000 مواطن إضافي بحلول عام 2025؟ هل تدرك الحكومة فعلاً أنها بسلوكها تدفع باتجاه حنق وخنق هذا القطاع الصغير أساساً، والذي يعمل به قرابة 62.000 كويتي بما يعادل 15% من القوة الوطنية العاملة، مسببة هجرة عكسية إلى الوظيفة الحكومية؟ فكيف له أن يحتوي ثلاثة أضعاف حجمه الحالي بمجرد تكليف هيئة القوى العاملة بتقديم خطة بذلك؟ هل يجب علينا الانتظار حتى عام 2025 لندرك فشل هذا الوهم فاقد البوصلة؟
السياحة ليست رفاهية، بل هي ضرورة عاجلة للاقتصاد الكويتي، الذي يواجه مخاطر غير مسبوقة، وبنشاط السياحة تنشط العشرات من الأعمال الحقيقية متفاوتة الأحجام، بما يزيد من قوة المشاريع القائمة، وبما يخلق فرصاً جديدة لأعمال ووظائف جديدة لا تشكل عبئاً على الدولة بل سنداً لها لتحتضن الطاقات الشبابية الهائلة القادمة إلى سوق العمل، وفي السياحة كما في بقية القطاعات، لا سبيل للإصلاح سوى بتعلم لغة جديدة تستبدل الأوهام بالأرقام، بمعايير أداء حديثة تستند إلى الأهداف الكمية ومتابعة تحقيقها بشفافية وشجاعة ومحاسبة عالية المستوى. قبل أن نقرأ أو نسمع أي تصريح جديد يحتوي على كلمة "سياحة" يجب على المسؤولين الوقوف أمام المرآة ليجيبوا أنفسهم وبصراحة: هل ترغب الكويت في السياحة حقاً؟ إن أجابوا بنعم صدّقناهم، شريطة أن يجيبونا عن سؤال المليارات الضائعة، كيف للكويت أن تضاعف عدد سائحيها 6 مرّات من 1000 إلى 6000 يومياً، حتى نصل إلى ترتيب قبل الأخير في الخليج؟ وكيف لنا أن نصدق أن الأدوات القديمة ستصنع لنا كويتاً جديدة؟***(1) - بحسب تقرير شركة ألبن كابيتال المتخصصة عن قطاع السياحة والضيافة في دول الخليج http://www.alpencapital.com/downloads/reports/2018/GCC-Hospitality-Industry-Report-July-2018.pdf(2) - لا توجد معادلة ثابتة لاحتساب إنفاق السائحين فهي متفاوتة بحسب البلد والعدد ومدد المكوث وطبيعة السياحة ومكونات الإنفاق، يشير التقرير إلى أن حجم سوق السياحة في الخليج يتجاوز الـ 100 مليار دولار.