هذا الموضوع قد لا يصلح أن يُكتب في مقال، لكني سأحاول قدر المستطاع إيصال وتناول الفكرة من زاويتين: الأولى مسؤول يقود الإصلاح ويواجه الفساد، والثانية نظام متين يصنع المسؤول الصالح.في التاريخ القديم والحديث هناك رجال من طراز القادة قاموا بإصلاحات إدارية واقتصادية مكنت مجتمعاتهم من النهوض والوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة، منهم الرئيس بارك تشونغ هي ذو الخلفية العسكرية الذي وصف بالدكتاتور ومعجزة "نهر الهان"، لكنه استطاع قيادة النهضة في كوريا الجنوبية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومنهم من أكمل مسيرة التنمية مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي حكمت بلادها 16 عاماً فقادتها من نجاح إلى نجاح، ووصلت بألمانيا إلى أكبر قوة اقتصادية في أوروبا.
الأمثلة كما ذكرت كثيرة ومتعددة لقادة استطاعوا تغيير حال بلادهم حتى أصبحت من الدول المتقدمة التي ينعم مواطنوها بحياة كريمة بفضل إخلاصهم وتفانيهم في خدمة أوطانهم، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل ما وصلت إليه سنغافورة وماليزيا وأيضا تركيا. على الجانب الآخر هناك دول لا يهم فيها من يحكم لأن النظام لا يسمح للقائد بالتصرف كيفما يشاء كالدول الإسكندنافية واليابان التي تحاسب أكبر المسؤولين عن أي تجاوز على المال العام أو استغلال نفوذه الوظيفي بمحاباة أي طرف، فهذه الدول فرضت هيبة القانون على الكل، فلا وزير ولا حتى رئيس الوزراء له حق التصرف في فلس واحد من المال العام، فلا طائرة خاصة ولا فاتورة يتم تحصيلها من أموال الشعب لتعبئة وقود السيارة أو تذكرة القطار بالدرجة السياحية إن كانت الرحلات غير رسمية، فكم من وزير استقال أو قُدم للمحاكمة بسبب فاتورة لا تتعدى بضعة جنيهات. في تلك الدول لا تستغرب مشاهدة رئيس وزراء أو وزير يذهب إلى مقر عمله راكباً الدراجة، ولا وهو واقف في الطابور لدفع فاتورة تفاحة وعصير كما حصل مع رئيس وزراء بريطانيا العظمى، ولا وهو جالس أو واقف في القطار حاله من حال أبسط مواطن، فهذه المشاهد صنعها نظام منضبط ومجتمع يتعامل مع هذه المناصب على أنها وظيفة عامة لا أكثر ولا أقل.هذه الأنظمة بكل تأكيد لن يتولى أمرها مسؤول فاشل ولا قيادي فاسد، فهم تحت الرصد الدائم، ولا يعني تركهم للمنصب أو انتهاء فترة ولايتهم أن ذلك صك نجاة أو أنهم أفلتوا من المحاسبة، فالقانون عندهم لا يموت بالتقادم ولا يوجد منفذ يمكنهم الهروب منه.العبرة من هذا المقال أن من يسرق أو يستغل وظيفته لا يفلت من طائلة القانون، ومن يعمل بإخلاص وشرف يحصد حب واحترام الناس والأهم راحة البال، فالعبرة هي أن يبدأ الإصلاح، فإن كان على يد قيادي نزيه ومخلص ومفكر فخير وبركة، وإن كان بسبب وجود نظام فاعل وقانون قادر على المراقبة والمحاسبة فهذا غاية المبتغى.إذاً للإصلاح وجهان: إداري ومالي، ومن يرد مواجهة الفساد فعليه فتح هذين الملفين، ففي الأول توقف الثاني، وفي الثاني كشف للأول ومن يفك علاقتهما المشبوهة يستحق أن نرفع له العقال. ودمتم سالمين.
مقالات
من يقود الإصلاح؟
12-10-2021