وسط انهماك الحكومة اللبنانية بالبحث عن مخارج لأزمة الكهرباء والأزمة الاقتصادية المستفحلة، ووضع خطة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، يهدد ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بتفجير الوضع السياسي والحكومي، متقدّماً على ما عداه من استحقاقات.

القاضي طارق البيطار، الذي يتولي التحقيق، مصرّ على استكمال مهمته، في مواجهة كل الضغوط التي يتعرض لها، بينما وصل سقف التصعيد بوجهه إلى حدود التهديد واتهامه بتسييس القضية وإضاعة الحقيقة، على لسان الأمين العام لـ «حزب الله»، حسن نصرالله، الذي اتخذ أمس الأول مواقف تعتبر الأكثر تصعيداً ضد المسار الذي ينتهجه البيطار.

Ad

وكردّ فعل أولي منه، أصدر البيطار مذكرة توقيف غيابية بحق الوزير السابق علي حسن خليل، القيادي في حركة أمل، والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري.

أصدر البيطار تلك المذكرة قبل أن تبلغه دعوى الردّ المقدمة من خليل والوزير السابق غازي زعيتر، وبعد تبليغه تجمّد التحقيق بملف المرفأ مجدداً، بانتظار بت محكمة التمييز للدعوى، وهي خطوة مماثلة للدعوى التي رفعها سابقاً الوزير السابق نهاد المشنوق وردّتها «التمييز» لعدم الاختصاص.

وترجح مصادر قضائية أن يكون الجواب هو نفسه بعد أيام، ليستأنف البيطار مهمته.

يأتي ذلك بالتزامن مع رفض وزير الداخلية بسام مولوي إعطاء الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في موقف مشابه تماماً لموقف وزير الداخلية السابق محمد فهمي، وهذا يعطي انطباعاً أن التحقيق يستمر بالدوران في دوامة، في حين رفض مجلس الدفاع الأعلى، بعد اجتماع أمس في القصر الرئاسي في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، السماح باستجواب المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.

لم يعد من المجدي استسهال التعاطي مع هذا الملف بطريقة عابرة، فقد بلغ حدود الخطر، أو حدود التفجير السياسي والأمني، وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة على الواقع السياسي والحكومي، لاسيما أن حكومة نجيب ميقاتي ستسقط في امتحان الملف القضائي، بدءاً من تحقيقات تفجير المرفأ، وصولاً إلى البحث الدائر عن صفقة لإقرار التعيينات القضائية.

وتبقى النقطة الثانية في إطار الصراعات اللبنانية اليومية والمعتادة، على خلفية المحاصصة، بينما الأولى هي الأكثر خطراً، خصوصاً في حال أصر القاضي بيطار على استكمال مهمته، مما قد يستدعي توجيه المزيد من التحقيقات له.

لم يخل كلام نصرالله من أبعاد التهديد المبطن الموجه للبيطار، وترى مصادر قضائية أن هذا الموقف سينطوي على مخاطر كبيرة، أولى نتائجها عدم الاستمرار في التحقيقات أو إيجاد صيغة قضائية هدفها كف يد البيطار. وفي حال لم يحقق «حزب الله» ذلك، فمن المحتمل اللجوء إلى قرارات قضائية من جانب قضاة محسوبين على الحزب، تهدف إلى تطويق البيطار ومنعه من إنجاز تحقيقاته.

كلام نصرالله بسقفه المرتفع، وتوجهه إلى أهالي ضحايا المرفأ بأن البيطار لن يوصلهم إلى الحقيقة، بل يعمل وفق أجندة سياسية، بالإضافة إلى اعتباره أن البيطار يقود البلد إلى كارثة، تفسّرها المصادر القضائية بأنها تندرج في خانة التهديد والتحذير من انفجار الوضع الأمني.

رمى نصرالله الكرة في ملعب مجلس القضاء الأعلى، وإن لم يسعَ إلى حلّ هذه المشكلة، فإن الأمين العام سيطلب من الحكومة العمل على معالجة الملف، وهذا بحدّ ذاته سيكون عنصراً تفجيرياً على طاولة مجلس الوزراء، الذي سيجعله مكبلاً ومنقسماً على نفسه.

وانعكست الخلافات حول تحقيقات المرفأ على جلسة مجلس الوزراء؛ إذ اعترض وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة على إجراءات البيطار، وحصلت سجالات حادة طالب فيها الوزراء بكف يد القاضي، الأمر الذي رفضه وزراء آخرون، فعُلّقت الجلسة عشر دقائق، قبل أن يُتخذ قرار برفعها وتحديد جلسة جديدة، عصر اليوم، لاستكمال البحث بهذا الملف.

● بيروت - منير الربيع