هل دائماً الأصل في الأشياء الإباحة؟
![د. بلال عقل الصنديد](https://www.aljarida.com/uploads/authors/279_1682431680.jpg)
إلا أنه لكل قاعدة استثناء في الشريعة وفي القانون، فعلى نقيض قاعدة الإباحة كأصل ثابت، تمسك بعض الفقهاء بأن الأصل في الأشياء هو التحريم حتى يسطع الدليل على الإباحة، ورغم أهمية قاعدة الإباحة في فقه التيسير، لم يُستسغ منطق إطلاقها، فأي إباحة شرعية حدّها القاعدة الأخرى "لا ضرر ولا ضرار"، فإذا كان الأصل أن الطعام مباح فإنه لا يجوز الإسراف فيه، وإذا كان المرء حراً في صرف أمواله، فإن الشارع لم يبح التبذير فيه حيث نبهنا عزّ وجلّ في سورة الأعراف "إنّه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".وفي استثناء واضح على قاعدة الإباحة، استنبط الفقه الإسلامي عدة قواعد معاكسة أخرى، نذكر منها: "الأصل في الأبضاع التحريم" و"الأصل في العبادات المنع" و"الأصل في الذبائح التحريم" ناهيك عن قاعدة "لا يصح التصرف في ملك الغير إلا بإذنه". وقد جاء في كتاب "معالم السنن" للإمام الخطابي: "وأما الشيء إذا كان أصله الحظر، وإنما يستباح على شرائط وعلى هيئات معلومة؛ كالفروج لا تحل إلا بعد نكاح أو ملك يمين، وكالشاة لا يحل لحمها إلا بذكاة، فإنه مهما شك في وجود تلك الشرائط، وحصولها يقيناً على الصفة التي جعلت علماً للتحليل كان باقياً على أصل الحظر والتحريم". أما في القانون، فالقاعدة في التفسير والاستنباط والقياس في النصوص الدستورية هي المنع والحذر، فالأصل أن أحكام الدستور لا تفسر إلا في أضيق الحدود، والثابت أيضاً أنه لا يجوز للقوانين أو للقرارات الإدارية أن تتجاوز حدود الدستور ولا أن تتعدى على أحكامه، ولو لم ينص على ذلك صراحة. فإذا ما أغفل الدستور الإشارة إلى حكم أو حق فليس بالضرورة أنه قرر إباحته، وإذا صمت عن منح صلاحية معينة لأي سلطة دستورية فلا يعني ذلك- بالمبدأ- جواز التوسع في إباحتها، وهذا ما ذهب إليه واقع التطبيق في الكويت عندما لم يعمل بمبدأ "التفويض التشريعي" الذي أشارت إليه- بصريح العبارة- المذكرة التفسيرية للمادة (50) من الدستور في حين أغفله نص المادة نفسها، فكان التحوّط سيد الموقف، فرجّح الرأي الغالب كفة السكوت في النص على كفّة الصراحة في التفسير، فأخذ بعدم الإباحة كأصل. من جانب آخر، ورغم أن الأصل هو حرية القول والفعل، فإن حرية المرء تقف عند حدود حرية الآخرين، فينبذ كل قول أو تصرف فيهما تعدّ على حقوق وحريات الآخرين ولو لم يرد نص صريح في تحريم أو تجريم ذلك، واستتباعاً لهذا المنطق يحظر على المحـامين والأطبـاء والموظفين إفشاء مـا علموا به عـن طريـق مهنـتهم أو صـفتهم ولـو بعـد انتهـاء الخدمـة أو زوال الـصفة، فالمبدأ هنا هو المنع، ولو سكت النص عن الحظر أو التقييد.خلاصة القول أن التعامل مع قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" يجب أن يكون ضمن حدود المنطق والشرع والقانون والأخلاق، وإلا فتح مجال الاجتهاد الذي لا يحترم الثوابت المشروعة والقيم الثابتة، وتضاربت الآراء المستفيدة من غياب النص الصريح.* كاتب ومستشار قانوني.