بقايا خيال: دور الإعلام في ازدهار التأمين
أحد مرتكزات اقتصادات الدول المتقدمة هو صناعة التأمين لتسير مشاريعها التنموية بخطى ثابتة، لأن هذه الدول تعرف أن الاقتصاد المتطور لا يرتقي إلا بقطاع تأمين متطور، ولا يتحقق التطور المنشود لهذا القطاع الحيوي إلا في مجتمع يعرف ويقدر أهمية التأمين حق قدره، وعلى هذا الأساس يمارس الغربيون حياتهم بكل مراحلها من خلال ارتباطهم بالتأمين بجميع منتجاته وخدماته، ولهذا فهم لم يصلوا إلى هذه الدرجة من التعلق بصناعة التأمين، ولم يتفهموا دوره في استتباب الأمن المجتمعي والاستقرار الاقتصادي لتحقيق الاتزان العام في حياة الشعوب، إلا بجهود إعلامية مدروسة بعناية بهدف توعية المجتمع، وبخبرات عريقة تفهم كيف تستخدم كل أشكال الاتصال بالجماهير بكثافة متواصلة لا ترتبط بمدة زمنية ولا تقف عند حاجز معين. هذا الوضع التأميني السليم الذي يمارسه الغربيون في حياتهم اليومية، تقف على نقيضه غالبية المجتمعات الخليجية المعتمدة على الإنفاق الحكومي الريعي، فإذا كانت الحكومات الخليجية ترعى مواطنيها من المهد إلى اللحد، وتقدم لهم كل الخدمات بالمجان، وإذا كانت اقتصادات هذه الدول تتصف بالريعية، بكل ما تحمله الكلمة من معاني التكاسل والاتكالية الفردية على سلطة تسيطر على كل مفاصل الاقتصاد، فكيف تستطيع شركات التأمين العاملة في منطقة الخليج أن تقنع شعوبها بأهمية التأمين في تحديد مسار مستقبلها، واستبدال الخدمات الحكومية المجانية بالإنفاق الذاتي على التأمين، إذا كانت الحكومات الخليجية تنافس شركات التأمين المحلية في ضمان مستقبل المواطن الخليجي بالمجان؟ وبناء على هذه المعطيات، كيف تستطيع وسائل الإعلام أن تنجز دورها التوعوي في مجال التأمين في مثل هذه الظروف؟ وما الرسائل الإعلامية التأمينية القادرة على الإقناع في مجال التوعية لمنافسة الحكومات الريعية في جذب المواطن والمقيم إليها؟ مثل هذه الأسئلة لطالما بحثت عن أجوبة بين أطلال الكوارث الطبيعية، التي تمر على صناعة التأمين الخليجية مرور الكرام، دون أن يكون لقطاع التأمين دور فاعل في التخفيف من حدة آثار هذه الكوارث، بسبب الرفاهية التي يمنحها النظام الريعي لشعوب المنطقة، وهو ما يجعل قطاع التأمين الخليجي عموماً، والكويتي تحديداً، من أقل القطاعات الاقتصادية استخداماً لوسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة، لاعتقاد كثير من العاملين في التأمين أن استخدام الإعلام في هذا الوقت لن يجدي نفعاً، بسبب قيام الريعية بـ"إشغال" الناس ولفت أنظارهم عن الاهتمام بالتأمين، الأمر الذي يجعل من مسألة تنمية الوعي بأهمية التأمين في المجتمعات الخليجية أمراً في غاية التعقيد، وإذا أخذنا مسألة تجاهل مناهج التعليم لدور التأمين الاجتماعي والاقتصادي والأمني في حياة الشعوب، فإننا نستطيع القول إن مثل هذه الأوضاع تبعد صناعة التأمين عن المساهمة في اقتصاد الدولة، ناهيك عن التسبب في ضياع ممتلكات الأفراد والمؤسسات المنقولة والثابتة.
وإذا كنا نرى أن الإسهام في تنمية الوعي التأميني يعد من واجبات كل الأطراف المعنية بالتأمين، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات ينتمون إلى القطاع الحكومي أو الأهلي، فإن الدور الرئيسي لتحقيق أهداف التوعية التأمينية ومن أقصر الطرق، تقع مسؤوليته على عاتق وحدات التأمين المحلية، حتى لو اضطرها الأمر إلى البدء من نقطة الصفر أو من المربع الأول، لترميم جسور الثقة بين المجتمع بكل طوائفه، وبين شركات التأمين المحلية. وإذا ما تحقق هذا الهدف حينها، تستطيع شركات التأمين وبدعم من وحدة التأمين والاتحاد الكويتي لشركات التأمين أن تفرض صفة الاستخدام الإلزامي لبعض الخدمات والمنتجات التأمينية الرئيسة، ولنا مع دور الإعلام في ازدهار صناعة التأمين وقفة أخرى إن شاء الله.