أكد خبراء نفطيون أن الانفتاح الاقتصادي السريع بعد الإغلاقات النسبية لوباء كورونا، وتوقع قدوم شتاء قارس، وفقدان الثقة بالطاقة البديلة التي ظهرت هشاشتها في الأزمات، والقفزات المصطنعة في أسعار الغاز والفحم، كلها أسباب اجتمعت وأدت إلى التحول للنفط الذي بدأ سعره يتصاعد، ولكن بصورة أقل وتوازن أكبر. وقال الخبراء، في تصريحات متفرقة لـ «الجريدة»، إن أزمة الطاقة التي يشهدها العالم لا تتمثل في نقصانها، بل في الأسعار المضخمة نتيجة جشع المتاجرين بها، وإلا فما تفسير ثبات مخزونات النفط والغاز العالمية ضمن معدل السنوات الخمس، وادعاء زيادة استثمارات الطاقة البديلة (من ألواح ومراوح وسيارات)، في ظل ظروف الاقتصاد والنقل غير المتكاملة، وتضاعف أسعار الطاقة بصورة خيالية، مؤكدين أنه لا تفسير لذلك الغلاء سوى جشع التسويق. وأضافوا أنه رغم زيادة الطلب على النفط جراء انفتاح الدول الصناعية الكبرى وخروجها من أزمة الجائحة والتأثير المناخي والعوامل الجيوسياسية نتيجة لسخونة الأحداث بين واشنطن وبكين، إلى جانب الملف الإيراني وتماسك منظمة «أوبك+» فإن الأسعار ستستقر عند مستويات قريبة من 100 دولار للبرميل، عازين ذلك إلى أن الدول الكبرى ستعمل على تفادي الركود التضخمي نتيجة لارتفاع التضخم فيها، إضافة إلى أن المنظمة ستسعى جاهدة لاستقرار الأسعار عند مستويات مقبولة للمحافظة على تحقيق استمرار الطلب لفترات طويلة والبعد عن تقلبات الأسعار أو البحث عن بدائل أخرى... وفيما يلي التفاصيل:

Ad

أكد الخبير والاستشاري النفطي د. عبد السميع بهبهاني أن أزمة الطاقة تحتاج إلى توضيح، مضيفاً: "في تصوري، المشكلة أن المستهلك يواجه صعوبة في الحصول على الطاقة بكلفة مناسبة، وخصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة وبنسبة أقل في آسيا، في حين لا تعاني دول إفريقيا والشرق الأوسط أي أزمة.

وأضاف بهباني: في الحقيقة، الطاقة متوفرة للمستهلك بمختلف أشكالها من النفط والغاز والفحم ومن الطاقة البديلة، لافتا الى ان الأزمة لا تتمثل في نقصان الطاقة، بل في كيفية حصول المستهلك عليها بسعر مناسب.

وأشار إلى أن واقع الأزمة أن الانفتاح الاقتصادي السريع بعد الإغلاقات النسبية لوباء كورونا، وتوقع قدوم شتاء قارس مثل ما حدث في 2020، وفقدان الثقة بالطاقة البديلة التي ظهرت هشاشتها في الازمات، والقفزات المصطنعة في أسعار الغاز والفحم، كلها أسباب مجتمعة أدت الى التحول الى النفط الذي بدأ سعره يتصاعد، ولكن بصورة أقل وتوازن أكبر.

واستدرك: "لكن نجد الغاز تضاعف سعره في أوروبا الى 300 في المئة فوصل الى 200 دولار للبرميل المكافئ، وزاد سعر الفحم 180في المئة وعليه فهناك ارتفاعات صارخة في اسعار الطاقة رغم توفرها.

وأضاف: "الحقيقة أن أزمة الطاقة ليست هي نقصانها بل الأسعار المتضخمة، نتيجة جشع المتاجرين بها وإلا بماذا نفسر ثبات مخزونات النفط والغاز العالمية ضمن معدل الخمس سنوات، وادعاء زيادة استثمارات الطاقة البديلة (من ألواح ومراوح وسيارات)، في ظروف الاقتصاد والنقل غير المتكاملة وأسعار الطاقة تتضاعف بصورة خيالية، فلا تفسير لذلك الغلاء سوى جشع التسويق، فهي الازمة الحقيقية للطاقة".

العامل الجيوسياسي

وحصر بهبهاني أسباب الأزمة في ثلاثة أسباب أساسية: العامل الجيوسياسي، فما زالت هناك حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة تسبب تقلبات اقتصادية تعرقل الإقدام على الاستثمار في الحصول على الضمانات البنكية، ومن ثم تباطؤ وتردد في الانفتاح الاقتصاد العالمي، وهناك أخرى على الطاقة الروسية، وإلا ما معنى فرض عقوبات على من يشتري الغاز الروسي بعد مد أنابيب الغاز العملاقة من روسيا إلى أوروبا في الوقت الذي يعاني العالم من أزمة طاقة! وأرى أيضا من ضمن الجانب الجيوسياسي التقارير المضخمة حول التغير المناخي وتطور الطاقة البديلة التي ضخمت بصورة غير واقعية لدرجة عدم جاهزيتها لتحل محل الطاقة الاحفورية ومن ثم بداية مشروع تصفير إنتاج الاحفوري.

* جشع تجار الطاقة، فإذا نظرنا لبعض المؤشرات، كالغاز، وجدنا البذل الرأسمالي، مقارن للمردود المالي، من 2018 الى منتصف 2020، ثم يبدأ بتصاعد عنيف رغم تدني البذل الرأسمالي!

* تحول الطاقة من وقود خام إلى وقود بمادة مصنعة، وقد استهلك هذا التصنيع قرابة 10 في المئة من إنتاج الخام، مما أدى الى تعدد استعمالات الغاز والنفط وتحولها الى منتجات، وهذا بالإضافة إلى تطور وتنوع المنتجات البتروكيماوية أيضا، فسبب ذلك سلب جزء من هذه الطاقة الخام.

ورأى أن لهذه الأسباب فإن أزمة الطاقة مرشحة للاستمرار ولن يحسمها إلا "مؤتمر غلاسكو" القادم للبيئة، لاجتماع وزراء الدول للبيئة والحفاظ على التغير المناخي، في نوفمبر المقبل (الممتد من مؤتمر باريس 2015)، مضيفا: "أتصور أنه في النصف الثاني من العام المقبل ستتصارع دول أعضاء المنظمة لزيادة انتاجها في حصصها الجديدة، الأمر الذي سينعكس على أسواق الطاقة".

زيادة الحصص

وتابع بهبهاني: "رغم اعتقادي بأن بعض الدول الأعضاء والمنتجين الآخرين ستتخلف عن زيادة حصصها لعدم الضمان أو لعدم القدرة فإن تحالف أوبك سيظل متمسكا بتوازن السوق أمام حالات الفلتان في مصادر الطاقة الأخرى!"، مبينا أن هشاشة الطاقة البديلة، خاصة في الازمات، ستتضح للمستهلك بصورة جلية هذا الشتاء، وسيتحول المستهلك بعنف الى الاحفوري، ومن ثم قفزات كبيرة في أسعار النفط وفشل مشروع الطاقة البديلة.

وأضاف ان الحلول من خلال تصوره الشخصي تكمن في عدة مؤثرات، واقعية منها تقييمات التغير المناخي وعلاقتها بالانبعاثات الكربونية، حيث يجب أن تكون هي الاساس في نسب التحول إلى مصادر الطاقة المختلفة، فالتقارير يجب ان تكون واقعية ومؤشراتها منطقية لتغير المناخ وعلاقته بالانبعاثات الغازية، وكذلك التوازن بين مصادر الطاقة قبل القفز الى التحول المفاجئ لتصفير الطاقة الأحفورية، "فالذي أراه أن دعوة وكالة الطاقة متهورة وأحرجت الكثير من شركات النفط، مما سبب أن 90 شركة عالمية كبيرة قللت استثماراتها الرأسمالية 30 في المئة أكثر، مما سبب انخفاضا أكثر من 10 في المئة من إنتاجها في كثير من الدول المنتجة للنفط، الأمر الذي أدى الى الشراء او الاستعانة بمخزونها النفطي لتعويض ذلك النقص".

حالة تباطؤ

من جهته، قال الخبير النفطي يوسف القنبدي: "كان الاقتصاد العالمي في حالة تباطؤ خلال الاعوام الثلاثة السابقة على الجائحة، وقد كان الأثر واضحا على بعض الشركات الكبرى والصناعات وكثير من الأنشطة التجارية الصغيرة في الدول الصناعية الكبرى بأوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بالإضافة الى التحول نحو الشركات التكنولوجية والخدمات اللوجستية وظهور شركات عملاقة مثل امازون وعلي بابا".

وأضاف القبندي: "كان لظهور الجائحة في بداية 2020 الاثر البالغ في زيادة ذلك التباطؤ بشكل سريع مما ادى في بعض الاحيان الى شلل الحركة الاقتصادية العالمية نتيجة توقف العديد من القطاعات مثل التصنيع، والنقل من طائرات وقطارات وسفن ونقل بري، وأيضا قطاع الأنشطة التجارية، والقطاعات السياحية وغيرها، الامر الذي كان له الاثر البالغ على الطلب العالمي على استهلاك الطاقة، مما ادى الى انخفاض اسعار الطاقة الى ادنى مستوى لها منذ عقدين من الزمان، واستمر ذلك حتى بداية الانفتاح التدريجي في بداية صيف العام الحالي".

وأشار الى انه مع بدء سريان عجلة الصناعة في الدول الصناعية الكبرى بعد ان قامت بتحصين نسبة عالية من المجتمع باللقاح المضاد لكوفيد 19، بدأت تلك الدول تتحرك بقوة لتعويض خسائرها بخطوات سريعة كانت اسرع من جاهزية دول امداد الطاقة، والتي حرصت على تقليل انتاجها للمحافظة على الاسعار من الهبوط، لافتاً الى أن ذلك الانفتاح السريع قد ادى الى زيادة الطلب بوتيرة سريعة على النفط والغاز الطبيعي نتيجة انخفاض المخزونات للعامين المنصرمين، حيث كان لدخول فصل الشتاء وتغير الاحوال الجوية وخاصة في دول اوروبا الاثر الكبير على اسعار الغاز التي قفزت لمستويات غير مسبوقة ووصلت في بعض الاحيان الاسعار الفورية الى 400%.

وذكر أن اكبر مستخدم للغاز الطبيعي للطاقة الكهربائية في العالم هي أوروبا وأميركا وهذه دول تبحث عن طاقة نظيفة حيث إن قوانينها البيئية متشددة، ومن الصعوبة بمكان ان تتحول الى النفط كبديل، الا في حالات الضرورة القصوى.

سخونة الأحداث

ولفت القبندي الى انه على الرغم من زيادة الطلب على النفط نتيجة انفتاح الدول الصناعية الكبرى وخروجها من أزمة الجائحة والتأثير المناخي والعوامل الجيوسياسية نتيجة لسخونة الاحداث بين أميركا والصين والملف الايراني وتماسك منظمة اوبك بلس الا ان الاسعار ستستقر عند مستويات قريبة من 100 دولار، مرجعا ذلك الى ان الدول الكبرى ستعمل على تفادي الركود التضخمي نتيجة لارتفاع التضخم فيها، إضافة الى ان المنظمة ستسعى جاهدة للمحافظة على استقرار الاسعار عند مستويات مقبولة للمحافظة على تحقيق استمرار الطلب لفترات طويلة والبعد عن تقلبات الأسعار أو البحث عن بدائل أخرى.

نقص الطاقة

من ناحيته، قال الخبير النفطي د. علي العامري ان أسعار الطاقة شهدت ارتفاعا خلال الأسابيع القليلة الماضية، مدفوعة بنقص الطاقة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، وكذلك ببداية التعافي من كورونا وفتح معظم الدول وتخفيف قيود السفر، الامر الذي ادى الى ارتفاع خام "برنت" إلى نحو 83.86 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى تحققه في ثلاث سنوات.

وأضاف العامري: "كما ارتفع الخام الأميركي إلى 80.65 دولاراً للبرميل، ويعد أعلى مستوى منذ سبع سنوات"، مشيراً إلى ان الارتفاعات في اسواق الغاز كانت مفاجئة وهذا بدوره قد يجبر قطاع الكهرباء إلى التحول من استخدام الغاز الطبيعي إلى النفط لتوليد الكهرباء، الامر الذي قد يزيد الطلب العالمي على الخام".

ولفت الى ان اسباب النقص في أسواق الغاز والكهرباء من بريطانيا والصين وغيرهما من البلدان بالتزامن مع عودة الطلب إلى الارتفاع بعد الوباء، تدفع إلى إعداد خطط لاستعمال الطاقة المتجددة مع عدم وجود تخزين للطاقة المولدة.

ولفت الى ان هذا التحوّل سوف يجعل نظام الطاقة في العالم غير قادر علي تلبية الطلب، وقد ذكر دانيال يورغن مؤلف كتاب "الخريطة الجديدة: "إنها رسالة تحذيرية بشأن مدى التعقيد الذي ستكون عليه عملية التحوّل إلى الطاقة النظيفة".

ونوه الى ان التغيرات المناخية كان لها دور في الارتفاعات حيث اصبح الشتاء اكثر برودة وسيتم استعمال كميات أكثر من المعتاد من مخزون الغاز الطبيعي.

خروج بريطانيا

وقال العامري ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي اثر على امدادها من الطاقة، كذلك تخفيض استخدام الفحم واستبداله بالوقود الأنظف تسبّب في ندرة إمدادات الغاز.

وأضاف أن من الأسباب الاخرى لزيادة الاسعار هو ان العالم يتوقع زيادة في الطلب بنسبة اكثر من 50% بحلول 2050، وفي الوقت نفسه هناك نقص في الاستثمارات في الوقود الأحفوري، لافتا الى ان للمنتجين الرئيسيين مثل شركات "شل وإكسون موبيل وبريتيش بتروليوم" دوراً في هذه الارتفاعات، حيث كان تركيزهم الأكبر في كيفية العمل على تقليل الانبعاثات، وكذلك نقص حفارات النفط الصخري خفض نسبة من انتاجهم، فضلا عن عدم ضخ استثمارات جديدة، إلى جانب أن غالبية المستثمرين توجهوا إلى الاستثمارات ذات العوائد الضخمة في الشركات الجديدة.

● أشرف عجمي