في ظلال الدستور: نصر أكتوبر... ملحمة الأمة العربية (3-3)
تناولت في المقالين السابقين تحت هذا العنوان، أن من حق الأجيال الحالية أن تعرف حقيقة نصر أكتوبر، وأنه لم يحدث في تاريخ الأمة العربية أن اجتمعت كلمة العرب على النحو الذي شهدته حرب أكتوبر، وأن روح أكتوبر يجب أن تتجدد في أعناق هذه الأجيال لتعيد مجد هذه الأمة العظيمة، وقد نص الدستور في مادته الأولى على أن شعب الكويت جزء من الأمة العربية.ومن بين ما تناولته في هذين المقالين الدعم العسكري العربي للجهات العربية الثلاث، مصر وسورية والأردن إيمانا بقومية المعركة، وكيف عبر الجنود المصريون المانع المائي، غير مبالين بأنابيب النابالم، في 21 نقطة حراسة على ضفة القناة الشرقية.وحرب الاستزاف التي خاضها المصريون، خلال السنوات الخمس السابقة على حرب أكتوبر، والتي حققوا فيها بطولات، غيرت مفاهيم الاستراتيجيات العسكرية في العالم، حول نوعية المقاتل، وحول نوعية الأسلحة البحرية.
ونستكمل في هذا االمقال، كما بدأنا أول مقال في هذه الثلاثية، بقومية المعركة والتضامن العربي اللذين قام عليهما نصر أكتوبر. الإيمان بقومية المعركة لم يكن خافيا على أحد أن العدوان الإسرائيلي على مصر وسورية والأردن في يونيو 1967، لم يستهدف دول المواجهة الثلاث فحسب، بل كان يستهدف الأمة العربية كلها، بإلحاق العار بها وإذلالها، وغرس هذا كله في نفوس أجيال هذه الأمة القادمة، لإخماد الوعي القومي الذي بدأ ينمو ويتنامى في كل شبر من أرضنا العربية، وإن الثأر هو ثأر عربي لا ثأر دول المواجهة وحدها.وإن الدول الكبرى التي زرعت إسرائيل في قلب الوطن العربي، كانت تستهدف هذه الأمة بأسرها، لأنها تعلم بأحلام إسرائيل التوسعية، من النيل إلى الفرات، وقد ذهب ديفيد بن غوريون، أول رئيس لإسرائيل وغولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في حرب أكتوبر، إلى ما قاله الأول إنه ستنشأ ظروف لتوسيع حدود الدولة، وإن لم تنشأ تلقائيا، فعلينا أن نصنعها بأنفسنا، وقالت غولدا قبل نصر أكتوبر، إن حدود الدولة في أي مكان يوجد فيه اليهود. ولم يكن الرئيس الأميركي السابق ترامب، في مبادرته التي أطلق عليها "صفقة القرن"، إلا منفذاً للمخطط الإسرائيلي التوسعي، ليشمل المخطط التوسع إلى دول النفط تحت عباءة التطبيع، وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإن أطماع إسرائيل، ليست الأرض العربية وما عليها من ثروات، بل ما في باطنها من ثروة النفط. الدعم العربي قبل أكتوبر وقد كان العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، مدركاً لأبعاد هذا العدوان وأهداف إسرائيل التوسعية، وهو ما زاد إيمانه العميق بقومية المعركة ضد إسرائيل، فقال الملك فيصل للرئيس جمال عبدالناصر عندما اتصل به جمال بعد العدوان الإسرائيلي "يا جمال مصر لا تطلب إنما تأمر". ولم يقتصر الأمر على الأقوال، بل جاوزها إلى الأفعال، ذلك أنه فور وقوع العدوان، طالب الملك قادة دول الخليج والأقطار العربية بتقديم كافة أنواع الدعم للدول الثلاث، لتمكين تلك الدول من الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي، وقد رصدت لذلك كل من المملكة السعودية والكويت وليبيا مبلغ 556 مليون دولار، كما أعلن الملك فيصل تبرعه بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، قائلاً: "إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسورية من تقديم أرواح جنودهما في معارك الأمة المصيرية، وإننا قد تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا حتى لا تصل إلى أيدي أعدائنا". الدعم العالمي للحق العربي ولأن العالم لا يقف مع الحق إلا إذا كان قوياً، فقد جاءت ردود الفعل سريعة، خصوصاً من دول السوق الأوروبية المشتركة ومن اليابان، ففي يوم 1 نوفمبر 1973 أعلنت هذه الدول تأييدها للحق العربي، وطالبت بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة مع تأييدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والخلاصة في نصر أكتوبر أنه عندما حدث هذا التضامن العربي في الحرب أضاف ذلك بعداً عالميا جديدا داعما للأمن القومي العربي وظهرت أمة العرب في أمجد مواقفها، ووصفت بالقوة السادسة في العالم بعد الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كما انضمت موريتانيا والصومال وجيبوتي إلى جامعة الدول العربية، الأولى في نوفمبر 1973 والثانية في فبراير 1974، والثالثة في يونيو 1977. لجنة الكويت وشكلت لجنة الكويت بقرار من مجلس جامعة الدول العربية في 13/ 9/ 1972 من كل من الكويت والسعودية ووزراء خارجية ودفاع دول المواجهة الثلاث، والتي كانت تعقد اجتماعاتها في الكويت وكان لها الفضل في وضع الأسس لخطة عمل عربي مشترك لمواجهة العدوان الثلاثي، وقامت هذه اللجنة بدور مجلس الدفاع المشترك، بعد انضمام بعض الدول العربية الأخرى إليها، ليصل عدد الدول المشاركة فيها إلى 13 دولة. سلاح البترول حسم المعركة سياسياً وفي 17 أكتوبر 1973 بعد النصر، قرر العاهل السعودي الملك فيصل استخدام سلاح مكمل للبارود فدعا لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت، وأسفر عن قرار عربي موحد بخفض الإنتاج الكلي العربي للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر، حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وأعلنت المملكة من جانبها وقف بيع البترول للغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وعندما أوفد الرئيس نيكسون وزير خارجيته هنري كيسنجر إلى الرياض في نوفمبر 1973، لإثنائها عن موقفها الداعم لمصر وسورية، وإعادة تصدير النفط للولايات المتحدة الأميركية، أجابه بأن "استئناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأميركية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة"، ولم يعبأ بالغضب الأميركي من القرار العربي الموحد والتهديدات التي لوحت بها دول الغرب بعقوبات وقطع علاقاتها مع المملكة، حين رد قائلا: "عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما". كما أصدرت دول الأوبك قراراً برفع سعر البترول من 3 إلى 11 دولاراً، فكان رد كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية قائلاً:food for crude (الطعام مقابل البترول)، وكان ما قرروا في هذا السياق، أننا سنستعيد كل دولار أنفق في زيادة سعر النفط، وقرروا خطة لتقسيم الدول العربية".