رغم بشاعة مفهوم الحرب وما تحدثه من تشتيت وتقسيم بين الشعوب فإن التاريخ يسطر بحروب من ذهب حرباً بمفهومها، ولكنها تزينت على هيئة حمامة السلام وهي حرب أكتوبر 1973 لعلها من الحروب القلائل التي وحدت الشعوب العربية وعززت روح التضامن بينهم، فهي كانت المواجهة الرابعة العربية مع الكيان الصهيوني.حرب أكتوبر بدقتها، وبالتكتيكات العسكرية التي تمت، تستحق أن تكون درساً مبهراً للأجيال وكيف لقوة الوحدة العربية أن تقف بوجه كل من يحاول المساس بالكرامة، حيث شكلت ملحمة أسطورية بمشاركة عربية لمواجهة عدوها المشترك، فكانت أقوى مفاجأة قدمها العرب إلى إسرائيل، لا يزال يذكر شعبها بمرارة ما حصل له وأطلق عليه (اليوم الأسود)، لعل ما يثلج الصدر هو شهادة من أهلها، حيث تم الإفراج منذ فترة عن اعترافات رئيسة وزراء إسرائيل ذلك الوقت غولدا مائير(1) والتي تذكر هذا اليوم بقولها: "شنت علينا هذه الحرب بأسلحة مفزعة كانت تحيل الدبابات إلى لهيب مشتعل"، قبل أن تلقي خطابا تتوسل لشعبها بالصمود.
أرض الفيروز واختطافها كانت أثقل الهموم التي مرت على العرب في تاريخه الحديث، ولطالما كان الهم العربي همّاً كويتياً بامتياز، فالبلد الصغير بمساحته وشعبه والذي لم تمض سنوات على استقلاله الذي حصل عليه عام 1961 إلا أنه لم يألُ جهدا في القيام بأي مشاركة مساندة لأي هم أو أزمة عربية، فلم تتخل الكويت يوما عن دورها العربي بمواقفها الصادقة والثابتة، وفي علاقتها مع جمهورية مصر الشقيقة، أثبتت أن الأشقاء لا يتخلون أبداً عن بعضهم فشاركت مصر في حروبها ضد الكيان الصهيوني.ففي 5 يونيو 1967 استيقظ الشعب الكويتي على صدور مرسوم أميري يقول في مادته الأولى: "نعلن ونقرر أن دولة الكويت في حرب دفاعية من صباح اليوم مع العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة"، معلناً أن من أعلى قيادة في البلد إلى أصغر مواطن فيها معنيون بهذا الشأن والهم، وتمت إقامة حفل كبير حضره أمير البلاد ورجالاته لتوديع ثلث الجيش الكويتي في احتفالية مهيبة تم فيها تسليم العلم الكويتي إلى قائد اللواء.لم تكن مشاركة الكويت بالشعارات أو الكلمات، بل بذلت فيها المال والجهد والذخيرة والأرواح فدفعت بأبنائها الى ساحة المعارك وكانت أول قوة عسكرية عربية تصل الى سيناء، حيث أرسلت لواء اليرموك إلى جبهة القتال في مصر، كما أرسلت لواء الجهراء إلى جبهة الجولان في سورية، حتى قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات في استقباله لهم "الجندي والضابط الكويتي جنبا إلى جنب مع أخيه المصري".رغم أنها أرسلت ثلث جيشها إلا أن الكويت قدمت أكبر نسبة شهداء من بين الجيوش العربية في حربي الاستنزاف 1967 (16 شهيداً) وأكتوبر 1973 (37) شهيداً كويتياً، حيث تم استشهادهم بقصف جوي إسرائيلي لتختلط دماء 53 شهيداً كويتيا (2) مع دماء أشقائهم لاسترداد أرض سيناء العربية، لا تزال قبور أغلبهم في مصر شاهدة على مجدهم وعزتهم.كما كان للكويت الفخر في احتضان أرضها أهم اجتماع عربي اقتصادي وهو اجتماع وزراء البترول العرب، والذي خرج بأهم قراراته على الإطلاق بحظر تصدير البترول للدول الأجنبية الداعمة لإسرائيل.لم يهتز إيمان الكويت يوما بأهمية هذا الحدث العربي، ولم تتردد ولو للحظة في أن تقدم كل ما لديها من إمكانات لتحقيق هذا النصر، فبحسب لقاء رئيس الأركان الجيش الكويتي آنذاك الشيخ مبارك عبدالله الجابر الصباح فإن "الكويت قد تجردت من سلاح طيرانها وأرسلت كل طائراتها إلى ميدان المعركة لتصبح سماء الكويت مكشوفة بالكامل طيلة فترة الحرب"(3).وحتى أكون منصفة في مقالي هذا حول تأثير انتصار أكتوبر على الشعب الكويتي فإن لزاماً علي أن أصف كيف كانت أجواء المنازل والأهالي في ذلك الوقت بالكويت رغم أنني لم أكن محظوظة في أن أعايش هذه الفترة، فلم أكن قد ولدت بعد، ولكن أغلب الصور العائلية كانت تتسمر حول المذياع وهم يتابعون مستجدات وخطابات هذه الحرب، يكفي أن أذكر لكم أن شارع الحي الذي كنا نسكن فيه كافة مواليد هذه الفترة أطلقوا اسم "أنور" على مواليدهم الذكور ومن بينهم كان أخي "أنور" رحمه الله.روح أكتوبر نحتاجها نحن كشباب عربي في العزم والوحدة والتضامن، ونحتاج إلى من يذكرنا دائماً بطعم هذا الانتصار المجيد وكل نصر أكتوبر ونحن العرب بألف خير.* كاتبة وصحافية كويتية ينشر بالتزامن مع جريدة الأهرام المصرية* المراجع (1) اعترافات غولدا مائير- ترجمة عزيز عزمي(2) كتاب تاريخ الجيش الكويتي- اللواء ركن صابر السويدان- ظافر العجمي(3) لقاء مجلة العربي مارس 1975
مقالات
نصر أكتوبر... لكم ولنا
17-10-2021