أين ستعيش ميركل بعد ترك منصبها؟
مع زوجها يواخيم و«كلبها» بوتين
تمبلين هي البلدة التي عاشت فيها ميركل طفولتها، جلبت إليها كثيراً من الاهتمام الصحفي والمجتمعي، ولا يزال كثيرون من سكانها يعرفون ميركل منذ شبابها المبكر، عندما كانت الفتاة التي ستصبح مستشارة في ما بعد تعرف باسم كاسي.بعد أن تقاعدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من منصبها، عادت لتعيش في إقليم أوكرمارك مسقط رأسها، شمال برلين على مسافة تقطعها السيارة في ساعة من الزمن، مع زوجها يواخيم وكلبها صغير الحجم المسمى بوتين.وهناك تصبح ميركل بالصدفة مخبراً بالشرطة، عندما ألقت جريمة قتل بظلالها القاتمة على هذه المنطقة الرعوية التي تهيم بها ميركل.
هذه الحبكة الروائية هي محور رواية بوليسية جديدة خيالية وساخرة، من تأليف الكاتب الألماني ديفيد سالير، وحظيت الرواية بمبيعات جيدة في الوقت الذي تخطط فيه ميركل لمغادرة منصبها بعد فترة حكم استمرت 16 عاماً.غير أن جزءاً من الحبكة الروائية ليس بعيداً عن الواقع حقيقة، وهو ولع ميركل بإقليم أوكرمارك وخاصة بلدة تمبلين الصغيرة -الكائنة بولاية براندنبرغ- التي يبلغ عدد سكانها 16 ألف نسمة، والتي نشأت فيها وسط المروج والغابات والبحيرات.ولا يزال كثيرون من سكان تمبلين يعرفون ميركل منذ شبابها المبكر، عندما كانت الفتاة التي ستصبح مستشارة في ما بعد تعرف باسم كاسي، وكانت والدتها هيرلند كاسنر تعلم اللغة الإنجليزية بمركز تعليم الكبار بالبلدة، حتى مرحلة متأخرة من حياتها، في حين كان والدها هورست كاسنر قساً شهيراً وساءت علاقته بسلطات ألمانيا الشرقية في أثناء فترة النظام الشيوعي.ولا يزال هانز أورليش بيسكوف -معلم الرياضيات السابق لميركل- يتلقى طلبات من آن لآخر لإجراء مقابلات إعلامية معه حول تلميذته السابقة، التي كانت عضواً في نادي بيسكوف للمتخصصين الصغار في الرياضيات خلال الحقبة الشيوعية، ويصفها بيسكوف -ربما تأثراً بالنجاحات التي حققتها بعد ذلك- بأنها أكثر فتاة موهوبة قابلها في حياته.وتعد أوكرمارك منطقة ذات مذاق خاص، فمن ناحية هي ليست كثيفة السكان والأنشطة، ومثلها في ذلك مثل أنحاء كثيرة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، ولا يمكن تجاهل نزوح الشباب منها بشكل شبه جماعي.ومع ذلك أخذت الأوضاع تتغير سريعاً في المنطقة، مع استمرار برلين المجاورة في الازدهار، ومع تزايد سعي الطبقة الوسطى المتنامية بالعاصمة لاستئجار منازل ريفية أو لتمضية عطلات نهاية الأسبوع.ووصفت وسائل الإعلام ببرلين المنطقة بأنها «هامبتونز برلين» في إشارة إلى المنتجع الأميركي الذي يحمل ذات الاسم والذي يعد المقصد المفضل لتمضية عطلات نهاية الأسبوع لسكان نيويورك الأثرياء.وظهر قول مأثور محلي أخذ يتردد مؤخراً يقول «أنقذونا، سكان برلين قادمون»، في إشارة إلى سكان العاصمة الذين يأتون إلى البلدة بسياراتهم ذات الدفع الرباعي لشراء الخضراوات من سوق المزارعين، لأنهم يجدونها رائعة وطازجة ويثقون فيها. وهناك أيضاً صفات أخرى تتسم بها بلدة تمبلين، فهي منتجع صحي هادئ يتميز بالبيوت التي شيدت نصفها بالأخشاب، وبالشوارع المرصوفة بالحجارة، والأسوار التي تحيط بالمنطقة القديمة منها، ولا توجد أحداث كثيرة تقع هنا، وعلى سبيل المثال احتل مؤخراً أحد سكان البلدة عناوين الأخبار المحلية، بسبب زراعته أكبر ثمرة كوسا في ألمانيا.ويقول إرنست فولكهارت رئيس هيئة السياحة ببلدة تمبلين كما لو كان يؤكد هدوء النقطة، «إذا كنت لا تريد أن ترى أحداً لمدة 7 أيام، فيمكنك تحقيق ذلك هنا».ومع ذلك، فإن حقيقة أن تمبلين هي البلدة التي عاشت فيها ميركل طفولتها جلبت إليها كثيراً من الاهتمام الصحفي والمجتمعي، غير أن فولكهارت يؤكد أن البلدة لا تريد أن تستغل انتماء ميركل إليها.فلا توجد بالبلدة جولات سياحية تقتفي خطوات ميركل السابقة، أو أي لافتات نحاسية موضوعة لتكون علامات على المباني التي مثلت محطات مهمة في حياة المستشارة، غير أن نظرة سريعة على الإنترنت تكشف أن المنزل الريفي الحالي لميركل يمكن العثور عليه في قرية هوهنفالدي المجاورة.والمنزل البسيط الأبيض اللون الذي يتسع لأسرة واحدة قد يبدو غير ملحوظ بما فيه الكفاية من أول نظرة، غير أن وجود رجل شرطة أمامه يؤكد بسرعة أنك في المكان الصحيح.وبالتالي يدور السؤال: هل صار إقليم أوكرمارك الآن يفيض بضحايا الإرهاق من العمل المتواصل القادمين من برلين، ويسعون إلى تحسين وجودهم وتحقيق السكينة، عن طريق التأمل الواعي لتجارب جديدة عبر تربية النحل وصناعة المربى؟.ووصفت المخرجة السنيمائية الألمانية لولا راندل هذه الظاهرة في روايتها التي تكشف عن سيرتها الذاتية مع وعي بالذات جدير بالثناء، وتقيم راندل في قرية غيرزفالدي التي وصفتها صحيفة «تاغسشبيغل» اليومية التي تصدر في برلين بأنها «قرية الشباب أصحاب الصرعات»، وانتقلت إليها من برلين منذ 12 عاماً، واشترت فندقاً سابقاً واسع المساحة، يتم فيه خلال أشهر الصيف تشغيل مقهى ياباني وحديقة لتناول الجعة وكشك لبيع السمك المدخن.وجاء سكان برلين إلى هذا المكان زرافات، وفي عطلات نهاية الأسبوع يمكن أن تشبه الحديقة في المبنى الذي استحوذت عليه راندل كثيراً سوق الأطعمة المقام في الشوارع.وتقول راندل أحياناً يكون الزحام كبيراً، وتتذكر أنها تركت برلين أصلاً بحثاً عن السلام والهدوء، وتقول إنه ليس من السهل على «الجني» أن يعود إلى الزجاجة التي خرج منها.وهناك تطور آخر حدث مؤخراً، وهو عدد الأشخاص الذين يريدون الانتقال إلى الريف بشكل دائم، وعدم الاكتفاء بالقدوم إليه في عطلات نهاية الأسبوع.ومن هنا، فإنه بغض النظر عن الجريمة التي جاءت في الرواية البوليسية، هناك بالفعل كثير من الأحداث غير المتوقعة التي تجري في محيط تمبلين، وسيكون أمام ميركل كثير من الأشياء لتقرأها لزوجها، بداية من الصحيفة المحلية كل صباح.وبينما لا يعرف أحد بالضبط بعد الخطط التي تعتزم المستشارة تنفيذها عقب التقاعد، فليس من الصعب تخيل اختيارها تمضية وقت أكثر في أوكرمارك.