الحوار ونتائجه
ما يُطلق عليه "الحوار" الدائر أيامنا هذه هو حوار غير مسبوق، بشكله ومضمونه، وبأدواته، فخلال مسلسلات الحوار والتفاوض أو العكس قرابة القرن من الزمان كانت تحدث انفراجات جزئية، وأحياناً أكثر من جزئية، إلا أنها تعود لتنتكس مرة أخرى، لأسباب تتعلق بموازين القوى الحاكمة للمسار السياسي في المجتمع، وبالذات بعد حقبة الخمسينيات.إلا أن الواضح أن الحوار ينتج عنه تحريك للأجواء الراكدة، باستثناء مسلسل الحوار الذي أعلنته الحكومة في الحقبة السابقة للغزو، وانتهى إلى انتخابات المجلس الوطني، وتلاه الغزو بعد شهرين من تلك الانتخابات.ما ينتج عن الحوار هذه المرة مرتبط بالداعين إليه، وعلى رأسهم سمو أمير البلاد، الذي لا يمكن أن يغامر بهذا الأمر دون الاستعداد للتفاهم حول التعامل مع القضايا الحساسة، ويضاف إلى ذلك طبيعة المحاورين من النواب الذين يتمتعون بقبول واسع، ويدركون جيداً أن عليهم أن يعودوا للناس الذين انتخبوهم، فلا قوة ولا مشروعية لهم إلا بناخبيهم، وبالتالي لا يمكن أن ينتج عن الحوار إلا انفراجات، وربما يتبع ذلك حقبة استقرار قد تطول وقد تقصر.
غير أن الأمر لا يتوقف على انفراجات تحرك الأجواء، فتغيير الأوضاع الهيكلية سيتطلب المزيد من العمل الدؤوب لإصلاح البنية الهيكلية المعوقة لأي تنمية حقيقية، ومنها بنية الحكومة، ونمط اتخاذ القرار فيها، والذي لا يمكن أن يحدث إلا في ظل التوافق بين السلطتين، في إطار الدستور، والحفاظ عليه من حيث المبدأ والتفاصيل.ويتبقى القول إن حمل الإصلاح ثقيل، فإن تم الخروج من مأزق الانسداد السياسي فمن الضرورة أن تكون نتائج الحوار محطة وقاعدة يتم التأسيس عليها لما هو قادم، وإلا فسنعود للمربع رقم واحد.