خلال حفل إطلاق كتاب "روسيا 2050: مدينة فاضلة ورؤية واعدة"، وهو خليط من المقالات والفنون والروايات القصيرة التي تستكشف خططاً متنوعة حول مستقبل روسيا، قالت خبيرة الاقتصاد والدراسات الإقليمية، ناتاليا زوباريفيتش: "يجب أن نعمل بما لدينا"!تُعتبر كلمة "رؤية" أساسية في هذا المجال، ولهذا السبب، طلبت "مؤسسة فريدريش إيبرت شتيفتونغ" التي أنتجت الكتاب من المساهمين فيها أن يُعبّروا عن توقعاتهم حول أحداث المستقبل فضلاً عن ما يرغبون في حصوله، لكن مع بدء موجة رابعة من أزمة كورونا في روسيا وإمعان قانون العملاء الأجانب في خنق وسائل الإعلام، يصعب أن يتوقع أحد مسار المستقبل، ومع ذلك يبدو أن الظروف العصيبة المتزامنة مع حملات القمع التي تبقي الحياة السياسية على الهامش تخفي وراءها مخيّلة جماعية حيوية تتطلع إلى المستقبل.
يعكس هذا الكتاب المؤلف من 600 صفحة مساحة معمارية خاصة بالعصر الجديد، وبما أن المساهمين في المؤسسة التي نشرت الكتاب هم مهندسون معماريون شباب، يمكن اعتبار هذا المحتوى عنصراً لا يُمحى من أي أفكار حول المستقبل، ففي المقالات والروايات الواردة في الكتاب، تختلط الرؤية الإيجابية التي يطرحها المشاركون مع مظاهر البشاعة من حولهم، ومثلما يؤدي خلط جميع ألوان قوس قزح إلى إنتاج اللون الأبيض، تجتمع المصائب والكوارث والاحتمالات الشائكة خلال السنوات الثلاثين المقبلة لبث شعور غير متوقع بالأمل.يشمل الكتاب أيضاً تحليلاً منطقياً فيه مقالة بعنوان "روسيا بعد بوتين"، بقلم ديمتري ترافين، وهو يستنتج أن التوتر المتوقع في أوساط النخبة الحاكمة بعد عهد فلاديمير بوتين قد يؤدي في الحد الأدنى إلى التخلي عن الأيديولوجيا الضيقة التي يتمسك بها الكرملين راهناً، إذا لم يُمهّد للديموقراطية المباشرة. كذلك، يشمل الكتاب نقاشات حول نقاط عدة، إذ تظهر سِهام على هامش الصفحات للدلالة على أن الفكرة الواردة في مقطع معيّن لها تكملة أو يعارضها كاتب آخر، ثم تُذكَر الصفحة التي يمكن الرجوع إليها لمعرفة التفاصيل.بما أن هذا النوع من الكتب يمكن إصداره في روسيا، وبما أن مبتكريه فضّلوا التطلع إلى المستقبل بعدما كانوا يخططون في البداية لتحضير كتاب عن ماضي روسيا، من الواضح أن المجتمع الروسي يتطلع إلى المستقبل فعلاً، رغم المناخ السياسي الراهن، ولم يعد عالقاً في الماضي. قد لا يكون هذا المستقبل وردياً بالضرورة، لكنه يتماشى على الأقل مع ما تملكه روسيا في الوقت الراهن: إنها مقاربة براغماتية وعملية ومبنية على المصالح، لكنها تسمح أيضاً بالتصالح مع الصدمات التاريخية.هذه الفكرة ليست جديدة، فمنذ بضع سنوات، حين أجريتُ مقابلات مع ناشطين معارضين من جماعات ليبرالية وقومية، لاحظتُ موقفاً غير متوقع. قال لي أحد السياسيين حينها: "نحن لا نفكر بكيفية إنهاء ظاهرة "البوتينية"، بل نفكر بالنهج الذي نريد تبنّيه بعد رحيله".لهذا السبب على الأرجح، تمحورت أنجح المسيرات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة حول مصالح محلية محددة، مثل الدفاع عن ساحة في "يكاترينبورغ" إو إنقاذ صحافي محاصر في موسكو.كيف سيكون مستقبل روسيا إذاً؟ هل ستصبح التركيبة السكانية مُسنّة في معظمها وتتلقى المساعدة من روبوتات مُصمّمة لتنظيف المنازل وتحضير الطعام؟ هل ستظهر شبكة من سكك الحديد عالية السرعة للربط بين مختلف مناطق روسيا، ما يؤدي إلى تعزيز نمو المدن الكبرى وحلّ مشكلة البلد الأزلية بسبب المساحات الشاسعة وغياب التماسك الاجتماعي؟ هل سينشأ نظام ملكي حميد أو نظام استبدادي هجين على الأقل، مما يعني ألا يكون قمعياً ولا كليبتوقراطياً، بل إنسانياً وبراغماتياً؟ وهل سيذوب الجليد بعد الشتاء الذي يلوح في أفق البلد؟هذه الاحتمالات كلها ممكنة، لكن كانت زوباريفيتش محقة حين ذكرت أن المستقبل يعني الانطلاق من العناصر التي يملكها البلد. بعبارة أخرى، ترتكز النقاشات الحيوية حول وضع روسيا بعد ثلاثين سنة على تقييم شامل ومتواصل، وهي تأخذ بالاعتبار طريقة عيش الروس اليوم، فهذه العوامل لا تجعل المستقبل الواعد ممكناً فحسب، بل تستطيع تحويله إلى واقع ملموس!* آنا أروتونيان
مقالات
روسيا تستطيع التطلع إلى المستقبل رغم كل شيء
21-10-2021