ينسب إلى الرئيس السابق لدولة بوركينا فاسو الثائر "توماس سانكارا" قوله: "إذا لم تؤدِّ (المساعدة) إلى المساعدة على الاستغناء عنها، ينبغي رفضها والتخلص منها".يلخص هذا القول جدلية اعتماد الدول والشعوب على أوهام المساعدات الخارجية، في حين يفرض المنطق أن تتم مساعدتها لتجاوز واقعها المتردي من خلال الدخول معها بشراكات استراتيجية تستهدف التنمية المستدامة لتحقيق تطلعات شعوبها، فقد قالها الصينيون منذ آلاف الأعوام بأنه من الخطأ أن نعطي الفقير سمكة دون أن نعلّمه صيدها.
فسياسة المساعدات الإنسانية والهبات المالية، وإن أثبتت بعضاً من جدواها في ظروف الفورة النفطية وفي زمن تقاسم الولاءات بين المعسكرين الدوليين، فإنها في عصرنا الحالي تتطلب إعادة النظر تبعاً للتغييرات التي طرأت على مرتكزاتها وأهدافها، واتساقاً مع واقع انفتاح الشعوب على بعضها، وتزايد نسب الوعي بالتطورات الجيو-سياسية وما يرتبط بها من تحولات كبيرة في مفاهيم وعلوم الاقتصاد والقانون والاجتماع.فبعد أكثر من قرن على تطبيق مبدأ العصا والجزرة في السياسة الدولية، ازدادت الدول الفقيرة بؤساً وعوزاً، وخضعت شعوبها لأنماط جديدة من الاستعمار الاقتصادي! أما الدول المانحة باسم الصداقة أو باسم الإنسانية فقد أصبحت– تحت وطأة الضغط الشعبي ومستلزمات التنمية الذاتية- بحاجة أكثر من أي وقت مضى لأموالها، كما أن الدول "المتصدقة" بالسياسة فمآربها أصبحت مكشوفة في الداخل وفي الخارج، ولم يعد هناك أي ثقة بتقديماتها اليسيرة أصلاً.لقد أثبتت التجربة أن المساعدات التي تأتي من خلف الحدود لمساعدة الحكومات أو لتقوية فئة على حساب فئة في الصراعات الداخلية، تذهب في معظمها الى جيوب الفاسدين والقتلة أو أنها تستخدم بما يخالف قواعد القانون الدولي وثوابت الإنسانية ومبادئ الأخلاق، هذا إذا لم تؤتِ نتائج عكسية لما أراده المانح في لعبة السياسة والمصلحة.ورغم أن النزعة المصلحية والصراعات السياسية هي سنة الكون منذ نشأته الى يومنا، ورغم أن كفة الاستفادة في عالم المال والأعمال ترجح على كفة المجاملة، فإن الكرة الأرضية- باتجاهاتها الأربعة- تحتاج الى وقفة صادقة وحقيقية تسهم في الخروج من صندوق الأفكار التقليدية التي تحكّمت بكل مسارات السياسة والاقتصاد طوال القرن الماضي الذي شهد حربين عالميتين داميتين وعانت فيه شعوب العالم حرب استنزاف باردة نجحت في إيصال البشر الى القمر دون أن تنجح في وصلهم بضمائرهم.ورغم "رومانسية" الطرح، فقد آن الأوان لدعم أي توجه عالمي أو محلي يؤمن بأن التعاون الدولي والتفاعل الاقتصادي في عصر العولمة، وما بعد الجائحة تحديداً، يجب أن يرتقي من فكرة استرزاق العبد من عطاء السيد باتجاه تكريس الشراكات الاستراتيجية الحقيقية. ذلك النوع من الشراكة يشكل للدول الممولة شبكة أمان سياسية واقتصادية ويوفر للشعوب المحتاجة فرصاً حقيقية للتنمية المستدامة، فالكل يدرك مثلاً أن التخلص النهائي من "الإرهاب" لا يمكن تحقيقه إلا بتجفيف منابع أفكاره المتجذرة في بيئة الجهل والفقر والحاجة، والجميع يعرف أن إفقار الشعوب لن يؤدي إلا إلى تزايد حجم الهجرة غير الشرعية، كما أنه من المتفق عليه أن رفاهية القريب والصديق والجار تدفع عن كاهلنا كثيراً من واجباتنا تجاهه، وتبعد عنا تجرع مرّ الخطر أو كأس الحسد التي قدتتأتى من طرفه.عولمة الاقتصاد وشمولية التنمية، صارا من ثوابت الواقع المعاصر، فالأنجح ما بين الدول والأذكى ما بين الشعوب والأنجب ما بين الأفراد هو من يسبق غيره في الاستثمار فيهما وباستخدامهما كأداة لاستدامة عناصر الحياة وكوسيلة لزيادة الرفاهية وكعنصر لتثبيت الوجود.* كاتب ومستشار قانوني
مقالات
لا تعطِ الفقير سمكة
24-10-2021