غداة تحذيره لقوى الداخل خصوصاً المحسوبة على إيران من زعزعة السلم الأهلي وجر العراق إلى الفوضى لعدم قناعتها بنتائجها المخيبة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر الجاري، وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رسالة شديدة اللهجة حثّ فيها دول الجوار على عدم التدخل في شؤون العراق أو المس بسيادته.وفي بيان نشره على «تويتر»، هدد الصدر باستخدام «مستويات تصل لتقليص التعاملات الاقتصادية والتمثيل الدبلوماسي وغيرها من الإجراءات الصارمة المعمول بها دولياً وإقليمياً حال صدور أي فعل يمس بالسيادة العراقية»، رافضاً «أي تدخل إقليمي أو دولي وبالأخص في تشكيل الحكومة والانتخابات باعتبار أن ما يجري من مفاوضات أو اعتراضات على النتائج ما هو إلا صراع ديمقراطي».
وشدد الصدر على أن سياسة العراق في التعامل مع دول الجوار في المرحلة المقبلة تقوم على أساس عدم التدخل بالشؤون الداخلية، والعمل على توطيد العلاقات وإيجاد مشاريع مشتركة على المستوى الأمني والاقتصادي والتجاري والصحي وتفعيل الدور الدبلوماسي المشترك.وأوضح أن «التعامل مع الدول ذات التدخل الواضح سيكون من خلال فتح حوار عالي المستوى لمنع ذلك مطلقاً، وإذا كانت هناك استجابة فهذا مرحب به وإلا فسيتم اللجوء للطرق الدبلوماسية الدولية لمنع ذلك»، متعهداً بأن «يعمل العراق على حماية الحدود والمنافذ والمطارات والتشديد في هذا الأمر.
الكاظمي والمالكي
في السياق، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن صناع السياسية الأميركية رأوا أن حكومة قوية لكتلة الصدر بقيادة رئيسها الحالي مصطفى الكاظمي، من شأنها كبح جماح نفوذ الفصائل الموالية لإيران.ووفق الصحيفة الأميركية، فإن «انتصار الصدر قد يعزز فرص تولي الكاظمي ولاية ثانية، لأنه نال استحسان الغرب لنيته كبح جماح الميليشيات المتحالفة مع إيران، رغم أن جهوده واجهت ردود فعل عدائية عززت فقط ضعف الدولة».وإذ أشارت الصحيفة إلى أن الكاظمي أصبح معتمداً على دعم الصدريين، أكدت أن القوة العسكرية للمسلحين الموالين لإيران تضمن لهم أن يكونوا جزءاً من المعادلة.اجتماع الإطار
وفي تأكيد للتصدع الحاد داخل البيت الشيعي، قرر زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، قصر اجتماع «الإطار التنسيقي» الذي استضافه للمرة الثانية بمنزله، أمس، على بحث سبل الخروج من أزمة الانتخابات الحالية وموجة الاعتراضات عليها، وليس للتحالفات السياسية، مؤكداً أن جميع القوى الوطنية تداولت الأفكار والآليات لمعالجة واحتواء الأزمة ومنع تداعياتها وإعطاء المتضررين حقهم حتى لا تخرج المطالبات عن إطارها الشرعي.وقبل رفضه المشاركة باجتماع «الإطار التنسيقي» بمنزل المالكي، حذر رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، خلال استقباله وزير الخارجية فؤاد حسين، من أن «الجميع خاسر إذا ما ذهبت الأمور إلى الانسداد السياسي»، حاثاً كل الأطراف على التنازل لمصلحة العراق وشعبه الذي ينتظر أن تسهم الانتخابات في تغيير واقعه الخدمي والمعيشي.وأكد الحكيم ضرورة تحمل المفوضية والسلطة القضائية مسؤولياتهما في النظر بجدية للطعون لإعطاء صورة ناصعة عن الديمقراطية، مشدداً على «ضرورة اتباع الطرق القانونية والسلمية في المطالبة بالحقوق».كما رفض الزعيم السني محمد الحلبوسي والأكراد المشاركة.العسكري والعامري
في هذه الأثناء، وصف المسؤول الأمني لكتائب حزب الله «أبو علي العسكري» أمس، الانتخابات بأنها «مؤامرة دولية ساهمت بها أطراف دولية»، داعياً إلى توسيع الاحتجاجات لتشمل مناطق ومدن العراق كافة.وانتقد العسكري موقف مجلس الأمن حول الانتخابات، قائلاً، إن «بيانه السيئ الصيت يؤكد ما قلناه من أن الانتخابات مؤامرة دولية ساهمت فيها أطراف محلية، والشعب بكل أطيافه وبأكثرية واضحة قال كلمته: إننا لن نسكت على هذه الجريمة التاريخية مهما بلغت التضحيات»، داعياً إلى «توسعة ساحات الاحتجاج، والاعتصام من أقصى العراق إلى أقصاه».بدوره، هاجم تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري بيان مجلس الأمن، الذي هنأ حكومة الكاظمي بنجاح الانتخابات وأكد نزاهتها، قائلاً، في بيان، «فوجئنا ببيان مجلس الأمن الذي هنأ بنجاح الانتخابات قبل أن تحسم الطعون القانونية، على الرغم من الاعتراضات الكثيرة من غالبية القوى السياسية والمرشحين، وهو أمر يخرج المنظمة الدولية وبعثتها من الحيادية ويثير التساؤلات حول دورها فيما جرى ويجرى، خصوصاً أن المراقبين الدوليين والمحليين لاسيما بعثة الاتحاد الأوروبي سجلت العديد من المخالفات في يوم الانتخابات وإعلان النتائج».وأكد تحالف العامري أن «الاستجابة لمطالب الجماهير والقوى السياسية بإعادة العد والفرز اليدوي لجميع المحطات حق لن نتنازل عنه أبداً، وكما أشار إليه القانون ونرفض أي تدخل خارجي في كل ما يتعلق بالانتخابات».تهديد بالعنف
دولياً، أعرب الاتحاد الأوروبي عن أسفه للتهديدات الأخيرة الموجهة لموظفي بعثة الأمم المتحدة ومفوضية الانتخابات وغيرهما من الهيئات، مشيراً إلى أن «التصويت يوم الانتخابات كان سلمياً ومنظماً إلى حد كبير وتمكن الناخبون من التعبير بحرية عن إرادتهم».وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية بيتر ستانو في بيان، إن «هذه المظاهر العنيفة لا مكان لها في الديمقراطية، ومعالجة أي طعن أو شكوى تتعلق بالانتخابات عبر الإجراءات القانونية»، معرباً عن التطلع إلى العمل من كثب مع الحكومة المقبلة في تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها الشعب العراقي.اعتصام متواصل
وعشية انتهاء مهلتهم لمفوضية الانتخابات، واصل أمس ،أنصار الحشد الشعبي والفصائل، التي سجلت تراجعاً غير مسبوق في الانتخابات، اعتصامهم المستمر منذ يوم الثلاثاء الماضي في المنطقة الخضراء وحاولوا للمرة الثانية التصعيد واقتحام خط الصد الأول لكن قوات الفرقة الخاصة تصدت لهم.وبعد تهديدات «عصائب أهل الحق» بقياد قيس الخزعلي باقتحام المنطقة الشديدة التحصين، نقل المحتجون مكان الاعتصام من أمام مؤسسة الشهداء إلى الجسر المعلق على مدخل مقرات الحكومة والبرلمان والبعثات الأجنبية، وسط مراقبة من السفارة الأميركية وتجهزها تحسباً لأي طارئ.ومع إغلاق المنطقة الخضراء، شهدت طرق وجسور رئيسية في بغداد ازدحامات مرورية خانقة مع بداية الدوام الرسمي للموظفين والعاملين للقطاع العام، والطلبة الجامعيين.رئيس البرلمان
في غضن ذلك، أكد تحالف «عزم» بزعامة خميس الخنجر، أمس، إصراره على منافسة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، واختيار إحدى الشخصيات الموالية له لتولي منصب رئيس البرلمان، لافتاً إلى أنه سيقدم عدة مرشحين لهذا المنصب بعد عقد الجلسة الأولى لمجلس النواب المنتخب.وقال القيادي في التحالف والفائز بالانتخابات محمد عبدربه، لوكالة «شفق»، إم «منصب رئيس البرلمان للمكون السني ويحق لأي نائب الترشح على هذا المنصب»، مشيراً إلى أن «تحالف عزم لم يحدد رئيس البرلمان، وبعد المصادقة على نتائج الانتخابات وعقد الجلسة الأولى للمجلس سيتم الاتفاق على اختيار شخصية محددة لتولي المنصب».ويتولى السنة رئاسة البرلمان العراقي بموجب عرف سياسي متبع منذ الإطاحة بالنظام السابق عام 2003، في حين يتولى الأكراد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء.