ودع قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم الأخيرة رقم (107)، والتي عُقدت يومي 21 و22 أكتوبر، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي على وشك مغادرة منصبها، بانتظار تكليف مستشار ألماني جديد، ومن المرجح أن يكون (أولاف شولتز) الذي كان وزيرا للمالية في حكومتها وزعيم الحزب الديموقراطي الاشتراكي، وبعد أن قررت ميركل الانسحاب من الحياة السياسية وقد أمضت 16 عاما مستشارة لألمانيا. ورسمت ميركل في خطابها الأخير أمام هؤلاء القادة ملامح التحديات التي ترى أن على الاتحاد الأوروبي الاهتمام بها، والسعي لإيجاد حلول مناسبة لها، بقصد أن تستمر مسيرة هذه المنظمة الأوروبية والتي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الفائت.
ويمكن أن نلخص أهم ما جاء في هذا الخطاب بمجموعة من النقاط أولها: موضوع الطاقة، والتساؤل عن نوع الطاقة التي ستعمد عليها مستقبلا دول الاتحاد، في الوقت الذي استغنت فيه ألمانيا عن الطاقة النووية، ومشكلة ارتفاع أسعار الطاقة التي يعانيها سكان هذه الدول وبخاصة مع اقتراب فصل الشتاء. سؤال الهجرة والمهاجرين الذين طرقوا أبواب دول الاتحاد، نقطة ثانية مهمة تطرقت إليها، وبخاصة الأعداد الكبيرة التي وصلت دول الاتحاد عامي 2015 و2016، وعدم التجانس والتنسيق بين سياسات هذه الدول بخصوص الإجراءات التي تتعلق بقبول المهاجرين وإقامتهم وتوطينهم، يضاف إلى ذلك ما تشهده حاليا الحدود بين روسيا البيضاء وبولونيا من تدفق للاجئين والأوضاع البائسة التي يعيشون فيها بانتظار إما عودتهم لروسيا البيضاء أو دخولهم لبولونيا، وتقف دول الاتحاد مكتوفة الأيدي تاركة حل المشكلة لسياسات هاتين الدولتين واحدة في الاتحاد والأخرى خارجه.نقطة أخرى تتعلق بمواقف بعض بلدان الاتحاد من التشريعات والمؤسسات الأوروبية وبالذات كل من هنغاريا وبولندا، حيث تفجرت أزمة قانونية ومؤسساتية مع هذه الأخيرة حين أصدرت المحكمة الدستورية البولندية في (وارسو) حكما يقضي بأن معاهدات أوروبية تتعارض مع دستور بولندا، وهو ما رفضته المفوضية الأوروبية مؤكدة علوية قانون الاتحاد الأوروبي على القوانين الوطنية لدول الاتحاد، ويعكس هذا الموقف مخاوف المفوضية من أن تحذو محاكم عليا في دول أخرى في الاتحاد حذو المحكمة الدستورية في بولندا، والأنظار تتجه بهذا الخصوص إلى هنغاريا وما تتبعه أحيانا من سياسات، والإجراءات التي تتخذها حكومة رئيس الوزراء الحالي (فيكتور أوربان) والتي تتناقض أحيانا مع قانون الاتحاد الأوروبي ومواقف غالبية بلدانه، وكانت نصيحة المستشارة الألمانية هي السعي لمواصلة الحوار مع مثل هذه الدول وإيجاد مخرج وتغليب التفاهم لكل أزمة تواجه الاتحاد ومؤسساته.ولعل الجملة التي بقيت في أذهان القادة الأوروبيين، ولفتت نظر المراقبين والصحافيين، وتلخص بشكل لافت للنظر ما سبق ما عرضناه من بعض التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي مستقبلا، هي ما عبرت عنه المستشارة الألمانية من أن وضع الاتحاد الأوروبي يدعو بالفعل للقلق، وهو ما يحتاج بالتأكيد إلى تضافر الجهود من قادة هذا الاتحاد، ومختلف مؤسساته لمواجهة هذه التحديات وإيجاد الحلول المناسبة والناجعة لها.وليسمح لي القارئ الكريم أن أشير إلى ثلاث نقاط في الختام: التصفيق الحار لقادة الاتحاد الأوروبي وقوفا للمستشارة الألمانية في نهاية خطابها الأخير أمامهم، وكان واضحا لمن تابع المشهد مصداقية وحماس وإخلاص هؤلاء القادة في وداعهم لها.ولفت نظري تواضع المستشارة الألمانية في أثناء الاجتماع الأوروبي وفي نهايته، وكنت أتابع ذلك عبر شاشة التلفاز، وكيف أنها كانت تصافح وتتحدث مع بقية المشاركين من رؤساء دول ورؤساء وزراء، وكيف قصدت بعضهم وهم جلوس لتسلم عليهم وتتحدث معهم، وأضرب مثالا رئيس وزراء هنغاريا مثلا وقد فوجئ بها تأتي إليه وتسلم عليه وتحدثه وكان جالسا فوقف احتراما لها وتبادل الحديث معها، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهها الاتحاد الأوروبي لسياساته الداخلية والتي لم تتوافق دائما مع سياسات هذا الاتحاد وأهدافه.والنقطة الأخيرة التي أريد أن أختم بها هي اقتباس لما قاله رئيس المجلس الأوروبي (شارل ميشيل) وهو يودع المستشارة الألمانية قائلا: الاتحاد الأوروبي من دون المستشارة الألمانية كمدينة روما من دون الفاتيكان، ومدينة باريس من دون برج إيفل!* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.
مقالات
الاتحاد الأوروبي في وضع يدعو للقلق
28-10-2021