محمد بوحوش يحتفي بـ «عصير السعادة»
كاتب تونسي يحلّق في فضاء الشعر والرواية والقصة القصيرة جداً
لا يضل الأديب التونسي، محمد بوحوش، طريقه إلى أي جنس أدبي، فهو شاعر بارع يمتلك لغة شفيفة متدفقة، وروائي مائز يحلِّق برشاقة في فضاء السرد، ومبدع متمكن من أدواته حين يكثِّف لغته في قصة قصيرة جداً تحمل الكثير من المضامين والمعاني الإنسانية، وربما لايزال في جعبته الأدبية المزيد من المفاجآت الساحرة.
أعلن الكاتب التونسي، محمد بوحوش، عبر صفحته على موقع "فيسبوك" قبل أيام، صدور أحدث كتاب له بعنوان "عصير السعادة"، وهو مجموعة قصص قصيرة جداً، ضمن إصدارات دار رؤى للنشر والتوزيع، لصاحبتها الروائية زينب عوني، ليفتح الكاتب المعروف شهية القارئ العربي إلى مطالعة جديدِه، والاستمتاع بنصوصه البديعة.لم يصل الكتاب الجديد إلى أيادينا بعد، لكن المتوقع أنه يحمل بين دفتيه ما يطلع إليه الباحثون عن متعة القراءة، خصوصاً أن بوحوش ينشر بين حين وآخر قصصاً قصيرة جداً عبر السوشيال ميديا، تعكس موهبة متفردة في نحت نص محكم ومفعم بالحياة، على الرغم من سطوره القليلة جداً.لكن ما يلفت نظر مَنْ يتابع تجربة بوحوش، هو ذلك التنوع الثري في إنتاجه الأدبي، فمع بلوغه حالة من التوهج في عالم القصيدة، نجده في موازاة ذلك يدور بقلمه في فلك القصة والرواية، وهو لا يجد أدنى صعوبة في هذا التنقل بين عوالم الكتابة المختلفة، إذ إن للشعر صدى في قصصه ورواياته مثلما للسرد أصداء في قصائده.
قد يتساءل البعض عن الأساس الذي يعتمد عليه محمد بوحوش في اختيار قالب الجنس الأدبي الذي يسكب فيه نصه، وفي هذا الإطار يقول لـ"الجريدة": "إن تحديد الجنس الأدبي الذي يليق بالفكرة أو الموضوع يعتمد على معايير محددة، فإذا كانت الفكرة مشبَّعة بالمجاز والاستعارات والإيقاع، فإنها تصنّف في خانة النّص الشعري باعتبار أن الشعر انفعال بالأساس. أما إذا كانت الفكرة قائمة على تقنيّات الحكاية من زمكان وشخوص وحدث أو مجموعة أحداث وعقدة، وإذا كانت الفكرة أيضاً في خانة الجزئيّ، فإنّها تصنّف في باب القصّة القصيرة جدّاً. أمّا في الرّواية فيختلف الأمر كثيراً، فالفكرة تتشظّى إلى أفكار وأحداث وشخوص وعلاقات، ووصف وسرد وحوار وحكاية مليئة بالتّفاصيل، وعلى هذا الأساس يكون الانتماء إلى جنس الرّواية".يتابع: ان "هذا التصنيف لا يخلو من الاعتباطية أحياناً بحكم تداخل الأجناس، ودعني أقول إن الشعر هو انفعال بالشّيء، بحدث ما، بموقف، بمشهد، بحالة، وهو بهذا يترجم الشعور والعاطفة والوجدان بطريقة فنيّة قوامها المجاز والإيقاع، أما القصّة القصيرة جدّا فهي استيعاب لفكرة أو لموضوع معيّن يشتغل عليه القاصّ بالعقل أساساً، بشيء من الحياديّة، وبإيجاز شديد ينبني على تقنيّات القصّ أو بعضها في إطار سردية نووية. بينما الرواية كسردية كبرى هي موضوع واسع يحتمل الإطناب والتفصيل واستيعاب فنون أخرى ومرجعيات متنوّعة. إنها بحث وعمارة سردية، وصناعة عالم متخيّل يعجّ بالحركة والأحداث والشخوص والصراعات".هذا التنوع الذي يميز تجربته ينسحب أيضاً على اللغة التي يبدع بها، إذ لا يكتفي بوحوش بالعربية لغة للإبداع، فحتى يومنا هذا، أصدر الأديب التونسي عشر مجموعات شعريّة باللغة العربيّة وروايتيْن، وأربع مجموعات شعريّة باللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، إضافة إلى 6 مجموعات في القصّة القصيرة جدّا، وأنطولوجيا موسومة بـ"أصوات من الجريد التّونسيّ"، وقصّتيْن للأطفال.
أزمنة المتاهة
وقبل أشهر من صدور "عصير السعادة"، أطلق الكاتب التونسي العنان لمارد السرد الذي بداخله، مصدراً رواية "أزمنة المتاهة" التي صدرت عن دار النشر ذاتها (رؤى للنشر والتوزيع)، وهي رواية تقع في 260 صفحة من الحجم المتوسّط.وتنطلق أحداث الرّواية من مدينة "بترسبرغ" بولاية بنسلفانيا الأميركيّة، حيث يجري القبض على المتّهم رقم 13، الّذي يفشل في اغتيال الزّعيم "جورج"، بعد أن فشل زملاؤه السّابقون، الآتون من المستقبل البعيد، في مهمّتهم تلك لغاية تغيير الماضي، وإنقاذ كوكب الأرض من الحرب النووية والجرثوميّة الكبرى التي يعتزم القائد جورج، باعتباره زعيم أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، التهديد بشنّها بسبب نزوة اعترته ناجمة عن مرض نفسيّ، هدفهم في ذلك محاولة تغيير الماضي لتأمين مستقبل الحياة على كوكب الأرض، ثم يجري القبض على المبعوث رقم 13، عقب فشله في اغتيال الزّعيم جورج، ويودع بمشفى للأمراض العقليّة والنّفسيّة لينضمّ إلى عدد من المبعوثين السّابقين الاثني عشرة وبعض المرضى الآخرين، حيث يتولّى علاجهم الدكتور ستيفن كايج الطّبيب النّفسيّ بالمصحّة.يتجمّع بالقاعة الكبرى للمشفى جميع المرضى ويشرعون بتحفيز من الطّبيب المعالج والمبعوث رقم 13، وهو عالم أنثروبولوجيا آت من المستقبل، في سرد رواية تتحدّث عن حياة نخبة من العلماء كانوا قد نجوا من حادثة الحرب النّوويّة الكبرى والزلزال الذي تلاها سنة 2180م.وهكذا تُواصِل كل أعمال محمد بوحوش الغوص في عوالم متنوعة، والتحليق في فضاء آخر، بهدف واحد هو خلق متعة للقارئ عبر حكايات شيقة، يرويها باستفاضة في رواية تارة، ويختزلها باحترافية في قصة تارة أخرى مثل "عناقيد الدهشة"، أو يعزفها لحناً جميلاً في قصيدة، فهذا الإبداع في مُجمله يشبه أحد دواوينه الذي يحمل عنوان "ليس سوى أغنية".أحمد الجمَّال
تحديد الجنس الأدبي الذي يليق بالفكرة أو الموضوع يعتمد على معايير محددة